الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ }

قوله: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ }.

قال الكلبي: بلغنا أن عصابة من قريش اجتمعوا في دار الندوة يمكرون بنبي الله عليه السلام، فدخل معهم إبليس عليه لعنة الله، عليه ثياب له أطمار، في صورة شيخ كبير، فجلس معهم؛ فقالوا ما أجلسك في جماعتنا بغير إذننا، فقال لهم: أنا رجل من أهل نجد، قدمت مكة فأحببت أن أسمع من حديثكم، وأقتبس منكم خيراً، ورأيت وجوهكم حسنة، وريحكم طيبة؛ فإن أحببتم جلست معكم، وإن كرهتم مجلسي خرجت. فقال بعضهم لبعض: هذا رجل من أهل نجد، ليس من أهل تهامة، فلا بأس عليكم منه.

فتكلموا بالمكر بنبي الله؛ فقال أبو البَخْتري بن هشام، أحد بني أسد بن عبد العزى: أما أنا فأرى لكم من الرأي أن تأخذوا محمداً فتجعلوه في بيت ثم تسدّوا عليه بابه، وتجعلوا فيه كوّة، فتدخلوا إليه طعامه وشرابه، ثم تذروه فيه حتى يموت.

فقال القوم: نعم الرأي رأيت. فقال إبليس: بئس الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل له فيكم صغو، وقد سمع به من حولكم، فتحبسونه وتطعمونه وتسقونه، فيوشك ذلك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلوكم عليه، فتفسد فيه جماعتكم، وتسفك فيه دماؤكم. فقالوا صدق والله.

ثم تكلم أبو الأسود، وهو هاشم بن عمير بن ربيعة، أحد بني عامر بن لؤي، فقال: أما أنا فأرى أن تحملوا محمداً على بعير، فتخرجوه من أرضكم، فيذهب حيث شاء، ويليه غيركم. فقالوا: نعم والله الرأي رأيت. فقال إبليس: بئس الرأي والله رأيتم؛ تعمدون إلى رجل أفسد جماعتكم، واتبعته منكم طائفة فتخرجونه إلى غيركم، فيأتيهم فيفسدهم كما أفسدكم؛ يوشك والله أن يُقبل بهم عليكم. قالوا: صدق والله.

ثم تكلم أبو جهل فقال: أما أنا فأرى من الرأي أن تأخذوا من كل بطن من قريش رجلاً، ثم تعطوا كل رجل سيفاً، فيأتونه، فيضربونه جميعاً، فلا يدري قومه من يأخذون به، وتؤدي قريش ديته. فقال إبليس: صدق والله هذا الشاب، إن الأمر لَكَما قال؛ فاتفقوا على ذلك.

فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وأمره بالخروج؛ فخرج من ليلته إلى المدينة. قال الله: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ }.

قال بعضهم: في قوله: { لِيُثَبِتُوكَ } أي وثاقاً، أرادوا ذلك ونبي الله بمكة.