الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } * { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله: { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ } قال الحسن: يعني فاضربوا الأعناق { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } أي كلّ عُضو. وقال الكلبي: أطراف الأيدي والأرجل. وقال بعضهم: كل بنان، أي: كل مفصل.

قوله: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ } قال الحسن: حادّوا الله وعادوه ورسوله. وقال بعضهم: الشقاق هو الفراق. { وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ }.

قال: { ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ } أي في الدنيا، يعني القتل { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ } بعد القتل { عَذَابَ النَّارِ } أي في الآخرة.

قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ } أي: منهزمين { وَمَن يُوَلِّهِمْ } أي: ينهزم { يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } أي: يوم بدر { إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ } أي يتحرّف للقتال، أن يدع موقف مكان لمكان. { أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ } أي ينحاز إلى جماعة { فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ } أي استوجب غضباً من الله { وَمَأْوَٰهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ } أي بئس مصير من صار إلى جهنم.

قال الحسن: لم يكن الفرار من الزحف من الكبائر إلا يوم بدر، لأن تلك العصابة من المسلمين لو أصيبت لذهب الإِسلام. فكان الله قد افترض في هذه الآية:إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } [الأنفال:65] فأمر الله المسلمين أن يصبروا لعشرة أمثالهم إذا لقوهم. ثم أنزل الله بعد ذلك التخفيف فقال:" الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ } [الأنفال:66]. فلم يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اظهر الله الإِسلام وصار الجهاد تطوّعاً.

فإن جاء المسلمين عدوٌّ لا طاقة لهم به تحيّزوا إلى البصرة، أو قال: إلى بصرتهم. وإن جاءهم ما يغلبهم تحيّزوا إلى الكوفة، فإن جاءهم ما يغلبهم تحيّزوا إلى الشام، وإن جاءهم ما يغلبهم تحيّزوا إلى المدنية، فإن جاءهم ما يغلبهم فليس ثَمَّ تحيّز، وصار الجهاد فريضة.

ذكروا عن الحسن أنه قال: إن عمر بن الخطاب لما بلغه قتل أبي عبيدة بن الجراح وأصحابه بالقادسية قال: يرحم الله أبا عبيدة؛ لو انحاز إلينا لكنا فئته.

ذكروا عن الحسن قال: لو أن أهل سمرقند انحازوا إلينا ـ ونسأل الله العافية من ذلك ـ لكنا فئتهم.

ذكروا أن أبا بكر وعمر كانا يقولان للجيوش: وإن غلبكم أمر فانحازوا إلينا، فإنا فئتكم.

ذكر بضعهم قال: أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النار، ثم كانت أُحُد بعدها فأنزل الله:إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

السابقالتالي
2