قوله: { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الأَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ }. قال مجاهد: إنا تبنا إليك. { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ } يعني النار. قال: { وَرَحْمَتِي } يعني الجنة { وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } يعني أهلها. وهذا الحرف من خفي القرآن. قال بعضهم: لما نزلت هذه الآية تطاول لها إبليس والأبالسة وقالوا: إنا من ذلك الشيء، وطمع فيها أهل الكتابين والمنافقون، فقال الله: { فَسَأَكْتُبُهَا } أي فسأجعلها { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قال بعضهم: يتقون الشرك. وقال بعضهم... { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ }. قال بعضهم: الزكاة في هذا الموضع التوحيد؛ كقوله:{ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } [فصلت:6-7] أي لا يوحّدون الله ولا يُقِرّون به. { وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } أي يصدّقون. { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ } يعني أهل الكتاب. { يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ } أي ما يعرف العباد عدله { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ } أي ما ينكر العباد عدله. { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتُ } أي الحلال منه والشحوم وكل ذي ظفر { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ } أي الحرام. { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } وهي تقرأ على وجهين: إصرهم وآصارهم. فمن قرأها إصرهم فيقول عهدهم، ومن قرأها آصارهم فيعني عهودهم فيما كان حرم عليهم ببغيهم، أي بكفرهم. { وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } يعني ما كان شدد عليهم فيه؛ فأمرهم الله أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام ويتبعوا ما جاء به. وقال بعضهم في قوله: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } فقال إبليس: أنا من ذلك الشيء، فأنزل الله: { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }. ثم زاد في نعتهم ليبينهم الله ممن سواهم فقال: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ... } إلى آخر الأية. وقال: { فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ } [أي عظموه] { وَنَصَرُوهُ } وهو كلام مثنى { وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ } وهو القرآن، فأحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، وعمِلوا بفرائضه، وانتهوا عن زواجره { أُوْلَئِكَ } أي: الذين هذه صفتهم، { هُمُ المُفْلِحُونَ } أي: هم السعداء؛ أولئكَ الذين جعلت رحمتي لهم، فأيس منها إبليس وجميع جنوده، وجميع الكفار{ كَمَا يَئِسَ الكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ القُبُورِ } [الممتحنة:13].