قوله: { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } قال الحسن وغيره: هذا حين قالوا ابعث لنا موتانا نسألهم أحق ما تقول أم باطل، لقولهم:{ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا } [الفرقان:21] ولقولهم:{ أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً } [الإِسراء:92]؛ يقول: لو فعلنا هذا بهم حتى يروه عياناً { مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } أي لا يعلمون: كقوله:{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأنعام:37] يقول: أي جماعتهم. يعني من ثبت منهم على الكفر. قوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِْنسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً } قال مجاهد: تزيين الباطل بالألسنة. وقال الحسن: جعل الله أعداء الأنبياء شياطين الإِنس والجن، وهم المشركون: { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً } وهو ما توحي الشياطين إلى بني آدم وتوسوس إليهم مما يغرونهم به. { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } أي لو شاء الله ما أوحى الشياطين إلى الأنس. { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } ثم أوحى بقتالهم بعد. قال بعضهم: كل شيء في القرآن: ذر، وذرهم فهو منسوخ نسخه القتال. قال الكلبي: بلغنا أن إبليس بعث جنوده فريقين، فبعث فريقاً إلى الإِنس وفريقاً إلى الجن، فإذا التقوا أعلم هؤلاء هؤلاء، وأعلم هؤلاء هؤلاء ما يقولون؛ فذلك قوله: { زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً } ، وكل ذلك عداوة من إبليس وجنوده لأنبياء الله وأتباعهم. ذكروا " أن أبا ذر قام إلى الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر، تعوَّذ بالله من شياطين الإِنس والجن؛ فقال: يا رسول الله أوللإِنس شياطين كشياطين الجن؟ فقال: نعم ". ذكر بعضهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: توشك الشياطين أن تجالس الناس في مجالسهم وتفتنهم في الدين. ذكروا عن عبد الله بن عمر أنه قال: إن شياطين أوثقها سليمان بن داود فألقاها من وراء البحر توشك أن تظهر حتى تقرىء الناس القرآن. ذكروا أن أبا موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن إبليس اتخذ عريشاً على البحر، فإذا أصبح ندب جنوده فقال: أيّكم فتن اليوم مسلماً ألبسه التاج. قال: فيجيء أحدهم فيقول: لم أزل اليوم برجل حتى سبَّ آخر، فيقول: سوف يصطلحان. ثم يجيء آخر فيقول: لم أزل اليوم برجل حتى عقّ والديه. فيقول: سوف يبرّهما. ثم يجيء آخر فيقول: لم أزل اليوم برجل حتى زنى. فيقول: أنت. ثم يجيء آخر فيقول: لم أزل اليوم برجل حتى سرق. فيقول: أنت. ثم يجيء آخر فيقول: لم أزل اليوم برجل حتى شرب الخمر. فيقول: أنت ". قال بعضهم: فأعظمهم عنده منزلة أعظمهم فتنة. قال بعضهم: بلغنا أن جهنم موضع البحر .