قوله: { وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ }. قال بعضهم: قالوا: بخيل غير جواد، لِمَ يستقرضنا؟ قال الكلبي: كانوا من أخصب الناس وأكثرهم خيراً، فلما عصوا الله وبدّلوا نعمة الله كفراً كَفَّ الله عنهم بعض الذي كان بسط لهم، فعند ذلك قالت اليهود: كفّ الله يده عنا، فهي مغلولة. ولم يقولوا: مغلولة إلى عنقه، ولكن قالوا عن قول الله للنبي عليه السلام: { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } أي فلا تنفق شيئاً{ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ } [الإِسراء:29]، وذلك أن ينفق في معصية الله. قال الكلبي: وكذلك قالت اليهود: { يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ } فلا يبسطها علينا بشيء. وقال مجاهد: قالوا: لقد تحمّدنا الله بقوله: يا بني إسرائيل، حتى جعل يده إلى نحره وكذبوا. قوله: { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } قال الحسن: غلّت أيديهم في النار. قوله: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } أي جواد، مبسوطتان، أي: بالنفقة ينفق كيف يشاء، وهو مثل قوله:{ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } [الرعد:26]. قوله: { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } وهم اليهود من بعد ما تبيّن لهم فكفروا به. وقال بعضهم: حملهم حسد محمد والعرب على أن كفروا به وهم يجدونه مكتوباً عندهم. قال: { وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ } يعني اليهود والنصارى. { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ } قال الحسن ومجاهد: { لِّلْحَرْبِ } يعني حرب محمد. قال الحسن: فأذلَّهم الله ونصره عليهم. قال الكلبي: كلما مكروا مكراً أطفأ الله نار مكرهم. وقال بعضهم: أولئك اليهود، فلم تجد اليهود ببلد إلا وجدتهم أذلَّ أهله. لقد جاء الإِسلام حين جاء وهم تحت أيدي المجوس، أبغض خلق الله إليه، نقمة وتصغيراً لهم بأعمالهم، أعمال السوء. قال: { وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ } يعني يدعون فيها إلى خلاف دين الله وهم يعلمون ذلك. ثم قال: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ ءَامَنُوا وَاتَّقُوْا }. قال بعضهم: لو آمنوا بما أنزل الله واتقوا ما حرّم الله { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ } { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } قال بعضهم: إذاً لأعطتهم السماء قطرها، أو قال: بركتها، والأرض نباتها. وقال الحسن: لأوسعنا لهم في الرزق بهذا المطر. وهو قوله:{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ، [أي على الإيمان]، لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً } [الجن:16] أي رَوَاء. وكقوله:{ فَقُلْتُ استْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً } [نوح: 10-11]. وإقامتهم التوراة والإِنجيل أن يؤمنوا بمحمد وما جاء به، لأنهم قد أمروا بذلك في كتابهم. قوله: { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ } أي متَّبعة، يعني من آمن من أهل الكتاب برسول الله وبما جاء به. قال: { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } يعني من ثبت منهم على اليهودية والنصرانية.