قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } وفي هذه الآية تقديم يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ }. قال الحسن أي: من المسلمين، من العشيرة، لأن العشيرة أعلم بالرجل وبولده وماله، وأجدر ألا ينسوا ما يشهدون عليه. فإن لم يكن من العشيرة أحد، فآخران من غيركم، أي من غير العشيرة. قال: { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ المَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ } فإن شهدا وهما عدلان مضت شهادتهما، وإن ارتبتم في شهادتهما حبسا بعد صلاة العصر. وفيها تقديم؛ ثم تحبسونهما من بعد الصلاة إن ارتبتم. قال الحسن: ولو كانا من غير أهل الصلاة ما حلفا دبر الصلاة. قال: { فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ } فتمضي شهادتهما. { فَإِنْ عُثِرَ } أي اطلع { عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً } أي شهدا بزور، ردت الأشياء على الورثةَ الشاهدين، وهو قوله: { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ } يعني من الورثة { فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ }. قال الله: { ذَلِكَ أَدْنَى } [أي أجدر] { أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ }. قال الحسن: أراد الله أن ينكل الشهود بعضهم على بعض، ولم تكن عند الحسن منسوخة. ذكر عبد الله بن عون قال: قلت للحسن: هل نسخ من المائدة شيء. قال: لا. ذكروا عن الحسن قال: كان المسلمون أمروا أن يُشهدوا من عشائرهم، ثم رخص لهم بعدُ أن يشهدوا من غير عشائرهم. قال بعضهم: هذا رجل مات بغربة من الأرض في غير عشيرته، وأوصى بوصية، وأشهد عليها رجلين. فإن ارتيب في شهادتهما استُحْلِفا بعد العصر؛ وكان يقال: وعندها تصير الأَيْمان. { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً } قال: فإن اطُّلِعَ منهما على خائنة أنهما كذبا أو كتما، أو جاء شاهدان يشهدان بغير ما شهدا به. أجيزت شهادة الآخرين وأبطلت شهادة الأولين. قال الله: { ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي ذلك أحرى أن يصدقوا فيها وأن يخافوا العَقِب. ذكروا عن عطاء بن السائب في قوله: { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أي من أهل الكتاب. وقال الكلبي: إن رجلاً لبني سهم انطلق في تجارة ومعه تميم الداري ورجل آخر، وهما نصرانيان يومئذ. فلما حضر الرجلَ الموت كتب وصية ثم جعلها في ماله ومتاعه، ثم دفعه إليهما فقال: أبلغا هذا أهلي: فانطلقا لوجههما الذي توجها إليه.