قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } أي: بل أشد خشية. قال بعضهم: هؤلاء قوم من أصحاب النبي عليه السلام، وهو يومئذ بمكة قبل الهجرة، تنازعوا إلى القتال وسارعوا إليه حتى قالوا: يا نبي الله، ذرنا نتخذ معاول فنقاتل بها المشركين؛ فنهاهم النبي عن ذلك. فلما كانت الهجرة، وأمروا بالقتال كره القوم ذلك. { وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } فقال الله: { قُلْ } يا محمد { مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ } وكانوا أمروا بالقتال في سورة الحج في قوله:{ أُذِنَ لِلذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } [الحج:39]، وفي سورة العنكبوت { الۤمۤ أَحَسِبَ النَّاسُ أن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } أي لا يقاتلون... إلى قوله:{ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ } [العنكبوت:1-6]. وقال الكلبي: " كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر رسول الله إلى المدينة. وكانوا يلقون من المشركين أذى كثيراً فقالوا: يا رسول الله، ألا تأذن لنا في قتال هؤلاء القوم؟ فقال لهم رسول الله: كفوا أيديكم عنهم، فإني لم أؤمر بقتالهم " ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار إلى بدر فعرفوا أنه القتال، كرهوا أو بعضُهم. قال الله: { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } أي إلى الموت. قال الله لنبيه: { قُلْ } يَا محمد: { مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ }... إلى آخر الآية. وقال الحسن: قالوا: يا رسول، ألا نأتي المشركين بمعاولنا فنقتلهم في رحالهم. قال ذلك عبد الرحمن بن عوف وأصحابه. { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }. وذلك لما في قلوبهم من الخشية، لما طبع عليه الآدميون وهم مؤمنون. { لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلاَ } أي: هلا { أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ }. قالوه في أنفسهم. والأجل القريب أجلهم. لولا أخرتنا إلى أجل، أي لولا أخرتنا حتى نموت على فُرُشنا بغير قتال؛ وذلك لكراهتهم لقتال آبائهم وأبنائهم وإخوانهم، وهو قوله تعالى:{ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } [الأنفال: 5] وليس بكراهية يردون فيها أمر الله وأمر نبيه؛ فقال الله لمحمد: قُل لهم { مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ } أي: إنكم على كل حال ميّتون والقتل خير لكم. قال الله: { والآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً }. والفتيل هو الذي في بطن النواة. ثم أخبرهم ليعزيهم ويصبّرهم فقال: { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } قال بعضهم: في قصور محصّنة.