قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِّنَ الكِتَابِ } يعني اليهود { يَشْتَرُونَ الضّلاَلَةَ } أي يختارون الضلالة، في تفسير الحسن. وقال غيره يستحبون الضلالة على الهدى، حرَّفوا كتاب الله. { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ } يعني محمداً وأصحابه. وذلك أنهم دعوهم إلى دينهم. { وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } يعني اليهود، وهو كقوله:{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } [المائدة: 82] قال: { وَكَفَى بِاللهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللهِ نَصِيراً }. قوله: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ }. قال مجاهد: تبديل اليهود التوراة. وقال الحسن: تحريفهم؛ حرَّفوا كلام الله، وهو الذي وضعوا من قِبَل أنفسهم من الكتاب، ثم ادَّعوا أنه من كتاب الله. قال:{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ } [البقرة:79]. قوله: { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } وهم اليهود. قال الكلبي: { غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي: لا سمعت. وقال الحسن: غير مسمع منا ما تحب. وقال مجاهد: { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي: سمعنا ما تقول ولا نطيعك. { وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي: غير مقبول ما تقول. قوله: { وَرَاعِنَا } قال الكلبي: يلوي لسانه بالسبّ. وقد فسّرناه في سورة البقرة. وقال الحسن: (رَاعِنَا): السخريّ من القول: { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } يعني ما يلوون به ألسنتهم من كتمانهم محمداً والإِسلام. وقال مجاهد: كان أحدهم يقول: ارعني سمعك، يلوي بذلك لسانه. قال: { وَطَعْناً فِي الدِّينِ } أي في الإِسلام. قوله: { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا } حتى نتفهم { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } لأمرهم. { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }. قال بعضهم: قلَّ من آمن من اليهود. ذكر محمد بن سيرين قال: ما نعلم أحداً من اليهود أسلم على عهد النبي محمد عليه السلام غير عبد الله بن سلام، والحسن يذكر آخر، ما أدري من هو. ذكروا عن رفاعة القرظي في قوله:{ الذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } [القصص:52] قال: نزلت في عشرة ممن أسلم من اليهود أنا أحدهم. ذكر أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو آمن بي واتبعني وصدقني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا اتبعني " فقال كعب: اثنا عشر. وفي حديث الحسن: عشرة. ومصداق ذلك في كتاب الله:{ وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِّنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } [المائدة:12]. وقال بعض العلماء: إن لم يكن قال هذا النبي بعدما أسلم الاثنان اللذان قال محمد بن سيرين فما أدري ما هو.