قوله: { إِنَّ الذِينَ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً }. هم أهل الكتابين. ذكر بعضهم قال: آمن أهل التوراة بالتوراة، وآمن أهل الإِنجيل بالإِنجيل، ثم كفروا بهما، يعني ما حرَّفوا منهما، ثم ازدادوا كلهم كفراً، أي: بالقرآن. { لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } قال الحسن: يعني من مات منهم على كفره، { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } ، أي سبيل الهدى، يعني عامّتهم؛ وقد أسلم الخاصة منهم. وقال بعضهم: ولا ليهديهم سبيلاً، أي طريق هدى، وقد كفروا بكتاب الله. قوله: { بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ } كانوا يتولون اليهود وقد أظهروا الإِيمان وأجابوا إليه. { أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ } أي أيريدون بهم العزة { فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً }. قوله: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ } من أهل الإِقرار { وَالكَافِرِينَ } من أهل الإِقرار والكافرين من أهل الإِنكار { فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }. قال الكلبي: نُهِيَ المؤمنون أن يجالسوا المنافقين والكفار إذا سمعوهم يستهزئون بشيء من كتاب الله ويعيبونه. وأما قوله: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ } فيعني ما أنزل في سورة الأَنعام بمكة قبل الهجرة:{ وَإِذَا رَأَيْتَ الذِينَ يَخُوضُونَ فِي ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [الأنعام:68] وكان ذلك قبل أن يؤمر بقتال مشركي العرب ثم أمر بقتالهم. فأما المنافقون الذين أظهروا الإِيمان، واليهود إذا أدّوا الجزية، فلا يقاتَلون. قوله: { الذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } يعني المنافقين؛ كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين. { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللهِ } أي نصر وغنيمة { قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } أي نكبة على المؤمنين { قَالُوا } للكافرين { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } أي: ألم نغلب عليكم بمودتنا إياكم { وَنَمْنَعْكُم مِّنَ المُؤْمِنِينَ } يقولون: إنهم آمنوا بمحمد، وكنا لكم عيوناً، نأتيكم بأخبارهم، ونعينكم عليهم؛ وكان ذلك في السِّرّ. قال الله: { فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } فيجعل المؤمنين في الجنة ويجعل الكافرين في النار { وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } أي حجة في الآخرة؛ وقد تكون في الدنيا الدولة للكافرين؛ وربما ابتلي المؤمنون.