قوله تعالى: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } أي: ابتلينا سليمان { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثًمَّ أَنَابَ } يعني الشيطان الذي خلفه في ملكه تلك الأربعين ليلة. قال بعضهم: كان اسمه صخراً. وقال بعضهم: كان اسمه آصف، اسم وافق اسم الذي عنده علم من الكتاب، كان يحسن الاسم الأكبر. وتفسير قوله (جَسَداً) عند الحسن أن الشيطان لما أخذ خاتم سليمان صعد على كرسيه، وهو سرير المملكة لا يأكل ولا يشرب، ولا يأمر ولا ينهى. وهو قول الله (جَسَداً) كقول الرجل للرجل: ما أنت إلا جسد. وأذهب الله ذلك من أذهان الناس، أي أصابتهم غفلة، فلا يرون إلا أن سليمان في مكانه، يرون أنه يصلّي بهم، ويجمع ويقضي بينهم، ولا يرى الناس إلا أنه على منزلته الأولى فيما بينه وبينهم. فأذهب الله ذلك من أذهانهم كما أذهب من أذهانهم موته سنة، وهو متكئ علىعصاه، لا يرون إلا أنه يصلي بهم ويجهز عذابهم ويحكم بينهم. وهي في قراءة ابن مسعود: ولقد كانوا يعملون له حولاً. قال الكلبي: إن سليمان أصابَ ذنباً فأراد الله أن يجعل عقوبته في الدنيا. قال الحسن: كان قارب بعض نسائه في المحيض. قال الكلبي: كانت له امرأة من أكرم نسائه عليه وأحبّهن إليه، فقالت: إن بين أبي وبين رجل خصومة، فزيّنت حجة أبيها. فلما جاءا يختصمان جعل يحب أن تكون الحجة لختنه. فابتلاه الله بما كان من أمر الشيطان الذي خلفه، وذهب ملك سليمان. وذلك أنه كان إذا أراد أن يدخل الخلاء دفع خاتمه إلى امرأة من نسائه كان يثق بها، فدفعه إليها يوماً ثم دخل الخلاء. فجاءها ذلك الشيطان في صورة سليمان، فأخذ الخاتم منها. فلما خرج سليمان من الخلاء طلب الخاتم منها فقالت: قد أعطيتكه. فقال: أنشدك بالله أن تخونيني. وذهب الخبيث فقعد على كرسي سليمان، وألقى عليه شبهه وهيئته. فخرج سليمان فإذا هو بالشيطان قاعد على كرسيه. فذهب في الأرض وذهب ملكه. وجعل يستطعم إذا أصابه الجهد ويقول: أنا سليمان بن داوود، فيكذبونه ويستخِفّون به ويطردونه حتى كاد أن يموت من الجوع. وقال مجاهد: كان يقول: لو عرفتموني لأطعمتموني، أنا سليمان ويكذّبونه. قال الكلبي: لما انقضت المدة، ونزلت الرحمة عليه من الله، ألقى الله في أنفاس الناس استنكار الشيطان. فمشوا إلى آصف، أحد الثلاثة خزان بيت المقدس، فقالوا: يا آصف، إنا أنكرنا قضاء الملك وعمله، فلا ندري أنكرت مثل الذي أنكرنا أم لا. قال نعم، ولكن سوف أدخل على نسائه، فإن كن أنكرن مثل الذي أنكرنا فذلك أمر عام في الناس، فاصبروا حتى يكشف الله عنكم، فإن لم ينكرن منه مثل الذي أنكرنا فهو أمر خصصنا به، فادعوا الله لملككم بالصلاح.