الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ }

قال: { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ المَشْحُونِ } أي: الموقر بأهله، فرّ من قومه إلى الفلك. وكان فيما عهد يونس إلى قومه أنهم إن لم يؤمنوا أتاهم العذاب، وجعل العَلَم بينه وبينهم أن يخرج من بين أظهرهم وأن يفقدوه. فخرج مغاضباً لقومه، مكايداً لدين ربه، ولم يجز له ذلك عند الله، في تفسير الحسن. فخرج حتى ركب في السفينة. فلما ركبها فلم تسر قال أهل السفينة: إن فيكم لمذنباً. قال: فتساهموا فقُرِع يونس، وهو قوله: { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ } أي: من المقروعين. وقال مجاهد: من المسهومين. فأوحى الله إلى الحوت فالتقمه. وهو قوله: { فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } وهذا تفسير الحسن.

[قال بعضهم]: وبلغنا والله أعلم أن يونس دعا قومه زماناً إلى الله، فلما طال ذلك وأبوا أوحى الله إليه أن العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا، فلما دنا الوقت تنحّى عنهم. فلما كان قبل الوقت بيوم جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو يبكي ويقول: يأتيكم العذاب غداً. [فسمعه رجل منهم، فانطلق إلى الملك، فأخبره أنه سمع يونس يبكي ويقول: غداً يأتيكم العذاب] فلما سمع ذلك الملكُ دعا قومه، فأخبرهم بذلك، وقال: إن كان هذا حقاً فسيأتيكم العذاب غداً، فاجتمِعوا حتى ننظر في أمرنا؛ فاجتمعوا.

فخرجوا من المدينة من الغد؛ فنظروا فإذا بظلمة وريح شديدة قد أقبلت نحوهم، فعلموا أنه الحق. ففرّقوا بين الصبيان وبين أمهاتهم، وبين البهائم وبين أمهاتها، ولبسوا الشعر، وجعلوا التراب والرماد على رؤوسهم تواضعاً لله، وتضرّعوا إليه وبكوا وآمنوا. فصرف الله عنهم العذاب. فاشترط بعضهم على بعض أن لا يكذب أحدهم كذبة إلا قطعوا لسانه.

وذكر بعضهم أنهم لمّا رأوا الأمر غشيهم قامت فيهم الخطباء فقال الأول: اللهم إنك أمرتنا ألا نردَّ سؤَّالنا، ونحن اليوم سؤَّالك فلا تردّنا. ثم قام الثاني فقال: اللهم إنك أمرتنا أن نعتق رقابنا، ونحن اليوم رقابك فأعتقنا. ثم قام الثالث فقال: اللهم إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا، وقد أخطأنا أنفسنا فاعف عنا. فصرف الله عنهم.

فجاء يونس من الغد، فنظر فإذا المدينة على حالها، وإذا الناس داخلون وخارجون؛ فقال: أمرني ربي أن أخبر قومي أن العذاب يأتيهم فلم يأتهم، فكيف ألقاهم؟ فانطلق حتى أتى إلى ساحل البحر فإذا بسفينة في البحر، فأشار إليهم فأتوا، فحملوه وهم لا يعرفونه. فانطلق إلى ناحية من السفينة فتقنّع ورقد.

فما مضوا إلا قليلاً حتى جاءتهم الريح وكادت السفينة تغرق، فاجتمع أهل السفينة ودعوا الله. ثم قالوا: أيقظوا هذا الرجل يدعو الله معنا. ففعلوا، فرفع الله عنهم تلك الريح. ثم انطلق إلى مكانه فرقد. فجاءت ريح كادت السفينة تغرق، فأيقظوه، فدعوا الله فارتفعت الريح.

السابقالتالي
2