قوله: { إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ } أي: لئلا تزولا. { وَلَئِن زَالَتَآ إِن أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ }. وهذه صفة. يقول: إن زالتا ولن تزولا. ذكروا عن الأعمش عمّن حدّثه عن عبد الله بن مسعود أن رجلاً جاء إليه؛ فرأى عبدُ الله بن مسعود عليه أثرَ السفر، فقال له: من أين قدمت؟ قال: من الشام. قال: فمن لقيت؟ قال: لقيت فلاناً وفلاناً، ولقيت كعبَ الأحبار. قال: فما حدّثك به؟ قال: حدّثني أن السماوات تدور على منكبي مَلك. فقال عبد الله بن مسعود: ليتك افتديت من لُقِيّك إياه براحلتك ورَحلك؛ كذب كعب، إن الله يقول: { إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِن أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ }. قال الله: { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } أي: حليماً لا يعجِّل بالعقوبة، غفوراً لمن تاب وآمن. قوله: { وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لِّيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ } كقوله:{ وَإِن كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ } [الصافات: 167-169]. قال الله: { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } أي: محمد صلى الله عليه وسلم { مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } أي: الإِيمان. { اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ } أي: عن عبادة الله { وَمَكْرَ السَّيِّىءِ } يعني الشرك وما يمكرون برسول الله وبدينه. وقال في آية أخرى:{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا... } إلى آخر الآية [الأنفال: 30]. قال: { وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } وهذا وعيد لهم. قال: { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ } أي: سنة الله في الأولين. كقوله:{ سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } [غافر: 85] المشركين، أي: إنهم كانوا إذا كذّبوا رسلهم أهلكهم، فيؤمنون عند نزول العذاب فلا يقبل ذلك منهم. قال: { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً } أي: لا يبدِّل بها غيرها { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً } أي: لا تحول. وأخّر عذاب كفار آخر هذه الأمّة إلى النفخة الأولى بالاستئصال، بها يكون هلاكهم. وقد عذّب أوائل مشركي هذه الأمَّة بالسيف يوم بدر.