{ وَقَالُوا ءَامَنَّا بِهِ } أي: بالقرآن. قال الله: { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ } أي: وكيف لهم تناول التوبة. { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي: قد فاتهم ذلك. ذكروا عن أبي إسحاق الهمذاني عن رجل من بني تميم عن ابن عباس في قوله: { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي: أنّى لهم الردّ وليس بحين الرّدّ. ذكروا عن الحسن قال: أي: إذا خرجوا من قبورهم بعد النفخة الآخرة وأخذوا من مكان قريب. قال: { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي: كذَّبوا بالبعث، وهو اليوم عندهم بعيد لأنهم لا يقرُّون به. { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } وهو تبع للكلام الأول: { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا ءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ } يعني الرد { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي: من الآخرة إلى الدنيا. وفي تفسير مجاهد: { التَّنَاوُشُ } التناول. كقوله: وقد كفروا به من قبل، فكيف لهم بالتوبة، وليس بالحين الذي تقبل فيه التوبة. { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قال مجاهد: أي: من مال أو ولد أو زهرة. وقال بعضهم: { مَا يَشْتَهُونَ } أي: الإِيمان. أي: حيل بينهم وبين الإِيمان أي: بإقامتهم على الكفر في الدنيا. فلما رأوا العذاب آمنوا، فلم يقبل منهم إيمانهم عند نزول العذاب. قال: { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ } أي: كما لم تقبل من أشياعهم، أي: ممن كان على منهاجهم ودينهم: الشرك، لما كذبوا رسلهم جاءهم العذاب، فآمنوا عند ذلك، فلم يقبل منهم. وهو قوله:{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا } أي: عذابنا{ قَالُوا ءَامَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } قال الله:{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا } أي: عذابنا{ سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } [غافر: 84-85] أي: مضت في عباده المشركين، أي: إنهم إذا كذبوا المرسلين أهلكهم الله بعذاب الاستئصال. { إِنَّهُمْ كَانُوا } أي: قبل أن يأتيهم العذاب { فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ } أي: من الريبة. وذلك أن جحودهم بالقيامة وبأن العذاب يأتيهم إنما ذلك ظن منهم، فهم منه في شك، ليس عندهم بذلك علم يقين.