قوله: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } يعني جميع المشركين { فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } وذلك أنه كان يطيف بجسد آدم قبل أن ينفخ فيه الروح، فلما رآه أجوف عرف أنه لا يتمالك، ثم وسوس بعد لآدم فأكل من الشجرة، فقال في نفسه: إن نسل هذا سيكونون مثله في الضعف فلذلك قال:{ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإِسراء: 62]. وقال:{ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [سورة ص: 82] وقال:{ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 17]، وأشباه ذلك. وبعضهم يقول: إن إبليس قال: خلقت من نار وخلق آدم من طين، والنار تأكل الطين، فلذلك ظن أنه سيضل عامتهم. وكان الحسن يقرأ هذا الحرف: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } يقول: لقد صدّق عليهم ظنّ إبليس، فيها تقديم، ثم قال: ظَنٌّ ظَنَّهُ، ولم يقل ذلك بعلم، يقول: فصدَّق ظنَّه فيهم. ومجاهد يقرأها: { وَلَقَدْ صُدِّقَ عَلَيْهِم إبليسُ ظَنُّه }. يقول: صُدِّقَ إِبْلِيس ظنُّه فيهم حيث جاء أمرهم على ما ظنَّ. قال: { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ } كقوله:{ فَإِنَّكُمْ } يا بني إبليس{ وَمَا تَعْبُدُونَ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } أي: ليس له عليكم سلطان{ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ } [الصافات: 161-163]. أي: لستم بمضلي أحد إلا من هو صال الجحيم. قال: { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالأَخِرَةِ } وهذا علم الفَعال. { مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا } أي: من الآخرة { فِي شَكٍّ } منها. وإنما جحد المشركون الآخرة ظناً منهم، وذلك منهم على الشك. قال: { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } أي: حتى يجازيهم في الآخرة. قوله: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ } يعني أوثانهم، أي: زعمتم أنهم آلهة { لاَ يَمْلِكُونَ } أي: لا تملك تلك الآلهة { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } أي: وزن ذرة { فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا } أي: في السموات و الأرض { مِن شِرْكٍ } { وَمَا لَهُ } أي: لله { مِنْهُم } أي: من أوثانهم { مِّن ظَهِيرٍ } أي: من عوين.