الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

قال: { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ }. قال بعضهم: ذلك يوم أحد؛ كانوا يومئذ فريقين؛ فأما المؤمنون فغشَّاهم الله النعاسَ أمنة منه ورحمة. قال أبو طلحة: أنا يومئذ ممن غشيه النعاس، فجعل سيفي يسقط من يدي فآخذه، فيسقط فآخذه. والطائفة الأخرى: المنافقون ليس لهم همة إلا أنفسهم.

قوله: { يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحََقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ }. قال الكلبي: هم المنافقون قالوا لعبد الله بن أبي: قتل بنو الخزرج، فقال: وهل لنا من الأمر من شيء.

قال الله: { قُلْ إِنَّ الأَمْرَ } [يعني النصر] { كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا } قال الكلبي: كان ما أخفوا في أنفسهم أن قالوا: لو كنا على شيء من الحق ما قتلنا هاهنا، ولو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل.

قال الله للنبي: { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } أي يظهر ما في قلوبكم. وقال:مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } [آل عمران: 179] أي فقد ميّز يوم أحد المنافقين من المؤمنين. { وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي بما في الصدور.

قوله: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ } وهو يوم أحد { إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }.

كان الله قد أوجب لمن فرَّ يوم بدر النار، ثم كانت أُحُد بعدها، فأنزل الله: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }. وقال بعضهم: كان أناس من أصحاب النبي عليه السلام توَلّوا عن القتال وعن النبي يوم أُحُد، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه، فأنزل الله: { وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }.

وقال الكلبي: لما أصاب رسول الله المشركين يوم أحد جعل الرماة خمسين، فأمَّر عليهم رجلاً من الأنصار، وجعلهم قِبَل خيل المشركين، وأمرهم أن لا يريموا مكانهم؛ وقال: إِنِ الخَيْلُ تحرّكت فارموا برشق من النَّبل، واستنفدوا النبل. فلما هزم الله المشركين ودخل المؤمنون عسكرهم رأتهم الرماة، وهم يأخذون الأسلاب، قالوا: أدركوا الغنيمة لا يسبقكم بها الناس. وقالت طائفة منهم: بل نثبت مكاننا. فرجعت طائفة وثبتت طائفة. فحملت الخيل على من ثبت منهم فقتلوهم، ثم دخلوا العسكر، وقتلوا من وجدوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلبوهم.