قال: { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ }. قال بعضهم: ذلك يوم أحد؛ كانوا يومئذ فريقين؛ فأما المؤمنون فغشَّاهم الله النعاسَ أمنة منه ورحمة. قال أبو طلحة: أنا يومئذ ممن غشيه النعاس، فجعل سيفي يسقط من يدي فآخذه، فيسقط فآخذه. والطائفة الأخرى: المنافقون ليس لهم همة إلا أنفسهم. قوله: { يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحََقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ }. قال الكلبي: هم المنافقون قالوا لعبد الله بن أبي: قتل بنو الخزرج، فقال: وهل لنا من الأمر من شيء. قال الله: { قُلْ إِنَّ الأَمْرَ } [يعني النصر] { كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا } قال الكلبي: كان ما أخفوا في أنفسهم أن قالوا: لو كنا على شيء من الحق ما قتلنا هاهنا، ولو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل. قال الله للنبي: { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } أي يظهر ما في قلوبكم. وقال:{ مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } [آل عمران: 179] أي فقد ميّز يوم أحد المنافقين من المؤمنين. { وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي بما في الصدور. قوله: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ } وهو يوم أحد { إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }. كان الله قد أوجب لمن فرَّ يوم بدر النار، ثم كانت أُحُد بعدها، فأنزل الله: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }. وقال بعضهم: كان أناس من أصحاب النبي عليه السلام توَلّوا عن القتال وعن النبي يوم أُحُد، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه، فأنزل الله: { وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }. وقال الكلبي: لما أصاب رسول الله المشركين يوم أحد جعل الرماة خمسين، فأمَّر عليهم رجلاً من الأنصار، وجعلهم قِبَل خيل المشركين، وأمرهم أن لا يريموا مكانهم؛ وقال: إِنِ الخَيْلُ تحرّكت فارموا برشق من النَّبل، واستنفدوا النبل. فلما هزم الله المشركين ودخل المؤمنون عسكرهم رأتهم الرماة، وهم يأخذون الأسلاب، قالوا: أدركوا الغنيمة لا يسبقكم بها الناس. وقالت طائفة منهم: بل نثبت مكاننا. فرجعت طائفة وثبتت طائفة. فحملت الخيل على من ثبت منهم فقتلوهم، ثم دخلوا العسكر، وقتلوا من وجدوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلبوهم.