الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ } في أنفسهم وعلموا أنه سائلهم عن ذلك فخافوه وتابوا إليه من ذلك. { فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } ثم قال: { وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ }. وكان جابر بن زيد إذا قرأ هذه الآية: { ومن يغفر الذنوب إلا الله } قال: لا أحد يغفرها غيرك يا الله.

ذكروا عن أبي موسى الأشعري قال: جلست إلى رجل من المهاجرين فسمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، استغفروا الله وتوبوا إليه، إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة " ذكر بعض السلف قال: ما جاور عبداً في قبره خير له من الاستغفار.

قوله: { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا } أي من المعصية { وَهُمْ يَعْلَمُونَ }.

ذكروا عن ابن عباس قال: كل ذنب أقام عليه العبد حتى يموت فهو كبيرة، وكل ذنب تاب منه العبد قبل أن يموت فليس بكبيرة. وقال بعضهم: كان يقال: لا قليل مع الإِصرار ولا كثير مع الاستغفار.

قوله: { أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } قد فسّرناه قبل هذا الموضع. { خَالِدِينَ فِيهَا } أي لا يموتون ولا يخرجون منها { وَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ } أي الجنة.

قوله: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } يعني ما عذب الله به الأمم السالفة حين كذبوا رسلَهم. وقال في آية أخرى:سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } [غافر:85] والتي قد خلت من قبل في الكفار أنهم إذا كذبوا رسلهم أَهلكهم الله.

قال: { فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ }. كان عاقبتهم أن دمّر الله عليهم، ثم صيّرهم إلى النار؛ يحذّرهم ذلك.

قوله: { هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ } قال بعضهم: هذا القرآن بيان للناس عامة { وَهُدًى } يهديهم الله به { وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } أي: خصّهم الله به.

قوله: { وَلاَ تَهِنُوا } أي لا تضعفوا عن قتال المشركين { وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } أي وأنتم الظاهرون عليهم والمنصورون. إنهم لما انكشفوا يوم أحد، فصعدوا الجبل علاهم خالد بن الوليد من فوق الجبل وجاءهم أبو سفيان، فقال الله: { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }.

وأمر رسول الله أصحابه بطلب القوم، فكرهوا ذلك وشكوا إليه الجراح، فأنزل الله: { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }. أديل المؤمنون يومَ بدر عليهم، فقتلوا سبعين وأسروا سبعين، وأديل المشركون عليهم يوم أحد، فقتلوا سبعين من أصحاب النبي وجرحوا سبعين.

قال: { وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا } أي: ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، وهذا علم الفعال. { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } أي المشركين. قال الحسن: فيها تقديم؛ يقول: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ. وقال: قد مسّ القومَ قرح مثله يوم بدر. والقرح الجراح.

وقال مجاهد: جراح وقتل. وقال بعضهم: القرح الجراح، وذلك يوم أحد، وقد فشا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ القتل والجراحات، فأخبرهم الله أن القوم أصابهم من ذلك مثل ما أصابكم، [وأن الذي أصابكم] عقوبةٌ قال: وتفسير تلك العقوبة بعد هذا الموضع.

قوله: { وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } ، قال: لولا أن الله جعلها دولاً بين الناس ما أوذي المؤمنون، ولكن قد يُدال الكافر من المؤمن، ويُدال المؤمن من الكافر.