{ قَالَ } الله تعالى: { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } أي: حجة { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ }. فانطلق موسى إلى فرعون، وأوحى الله إلى هارون أن يستقبل أخاه فاستقبله. فأتيا باب فرعون، فقالا للبواب: اذهب فأخبر فرعون أن بالباب رسولَ ربّ العالمين. فدخل عليه البوّاب فقال: إن بالباب رجلاً مجنوناً يزعم أنه رسول ربّ العالمين. فقال له فرعون: أتعرفه فقال له: لا، ولكن معه هارون. وكان هارون عندهم معروفاً. وكان موسى قد غاب عنهم زماناً من الدهر. قال فرعون: اذهب فأدخله. فدخل عليه، فعرفه، في تفسير الحسن. وقال بعضهم: كأنه عرف وجهه ولم يثبته. فقال: من أنت؟ فقال: أنا رسول ربّ العالمين. فقال: ليس عن هذا أسألك، ولكن من أنت وابن من أنت؟ فقال: أنا موسى بن عمران. وكان قد ربّاه في حجره حتى صار رجلاً؛ فقال له فرعون:{ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } أي: وأنت لا تدّعي شيئاً من هذه النبوّة{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الكَافِرِينَ } [الشعراء: 18-19] أي: لنعمتنا، أي: فيما ربّيناك. قال الله: { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَى بِآياتِنَا } أي: بحجتنا { بَيِّنَاتٍ } أي: واضحات { قَالُوا مَا هذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي ءَابَآئِنَا الأَوَّلِينَ }. { وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَآءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ } أي: إنني أنا جئت بالهدى من عنده { وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } أي: المشركون، أي: لا يَدْخُلونَ الجنة، والمفلحون هم أهل الجنة. { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَآأَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلهٍ غَيْرِي } أي: تعمداً منه للكذب. { فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ } أي: فاطبخ لي آجُرّاً، فكان أول من طبخ الآجرّ. { فَاجْعَل لِّي صَرْحاً } أي: فابن لي صرحاً { لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إلهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } فبنى له صرحاً عالياً، وقد علم فرعون أن موسى رسول الله، وهذا منه كذب. قال الله:{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [النمل: 14].