الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ }

{ مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } أي: بما جئتنا به. قالوا له: إن كنت صادقاً فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة، وكانت صخرة يصبون عليها اللبن في سنّتهم. فدعا الله فتصدّعت الصخرة، فخرجت منها ناقة عُشَرَاء فنُتِجت فصيلاً.

{ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } فكانت تشرب الماء يوماً ويشربونه يوماً.

قال بعضهم: كان إذا كان يوم شربها أضرت بمواشيهم وزروعهم، ولم تضرّ بشفاههم، في قول الحسن؛ وإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ولمواشيهم وأرضهم. وبعضهم يقول: كانوا يحلبونها يوم شربها، فإذا كان يوم شربهم كان اللبن لفصيلها. وقال بعضهم: ما ذُكِرَ لها لبن. وقال بعضهم: بلغنا أنها كانت تأتي الماء من فج وترجع من آخر، يضيق عليها الفج الأول إذا شربت.

قوله: { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ } أي: لا تعقروها { فَيَأخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.

{ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ }.

وكان أول سبب عقرهم إياها أنها كانت تضر بمواشيهم وأرضهم. كانت مواشيهم لا تقر مع الناقة؛ كانت المواشي إذا رأتها هربت منها. فإذا كان الصيف صافت الناقة بظهر الوادي في برده وخصبه وطيبه، ومضت مواشيهم إلى بطن الوادي في جدبه وحره. وإذا كان الشتاء شتت الناقة في بطن الوادي في دفئه وخصبه، وصعدت مواشيهم إلى ظهر الوادي في جدبه وبرده، حتى أضرّ ذلك بمواشيهم، للأمر الذي أراد الله بهم.

فبينا قوم منهم جلوس يشربون الخمر فَنِي الماء الذي يمزجون به، فبعثوا رجلاً يأتيهم بالماء، وكان يوم شرب الناقة، فرجع إليهم بغير ماء، وقال: حالت الناقة بيني وبين الماء. ثم بعثوا آخر فقال مثل ذلك. فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون، قد منعتنا الماء ومنعت مواشينا الرّعي، وأضرت بأرضنا. فانبعث أشقاها فعقروها وقتلوها فتذامروا وقالوا: عليكم بالفصيل. وصعد الفصيل القارَة؛ والقارَة: الجبل. قال الحسن: وكان ذلك عن رضى منهم.

فقال لهم صالح:تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [هود: 65] قال بعضهم: ذكر لنا أن صالحاً حين أخبرهم أن العذاب يأتيهم لبسوا الأنصاع والأكسية وأطلوا فقال لهم: آية ذلك أن تصفر وجوهكم في اليوم الأول، وتحمَرُّ في اليوم الثاني، وتسوَدُّ في اليوم الثالث. فلما كان اليوم الثالث استقبل الفصيل القبلة. وقال: رب أمي، يا رب أمي، فأرسل الله عليهم العذاب عند ذلك.