قوله عز وجل: { إِذْ قَالَ } إبراهيم { لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ } أي: الأصنام { الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } أي: لها عابدون. { قَالُوا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ }.
{ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي: بيّن. { قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ } أي: أهزؤ هذا الذي جئتنا به أم حق منك؟.
{ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الذِي فَطَرَهُنَّ } أي: خلقهن وليست هذه الآلهة التي تعبدونها { وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ } أي: أنه ربكم. { وَتَاللهِ } يمين، أقسم به { لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ }.
كانوا استدعوه ليوم عيد لهم يخرجون فيه من المدينة، فـ{ قَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ } [الصافات: 89] أي: اعتلّ لهم بذلك، ثم قال لما ولّوا: { وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ }. فسمع وعيدَه لأصنامهم رجل منهم استأخر. وهو الذي قال: { سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }.
قال عزّ وجل: { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً } أي: قطعاً قطعاً؛ قطع أيديها وأرجلها، وفقأ أعينها، ونجر وجوهها. { إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } أي أكبر الآلهة وأعظمها في نفوسهم؛ ثم أوثق الفأس في يد كبير تلك الآلهة. { لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ } أي كادهم بذلك لعلّهم يبصرون فيؤمنوا.
فلما رجعوا ورأوا ما صُنِع بأصنامهم { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ } قال الذي استأخر منهم وسمع وعيد إبراهيم للأصنام { سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ } [أي: يعيبهم] { يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } أي: أنه كسرها، فتكون لكم الحجة عليه؛ كأنهم كرهوا أن يأخذوه إلا ببيّنة. فجاءوا به.