الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }

قوله: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ } أي التوراة { وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } أي اتبعناه بهم { وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ }. قال الكلبي: يعني الآيات التي كان يريهم عيسى من إحياء الموتى، وما سوى ذلك مما سمّاه الله: { وَأَيَّدْنَاهُ } أعنَّاهُ { بِرُوحِ الْقُدُسِ } يعني جبريل عليه السلام. الروح جبريل والقدس هو الله. وهو اسم به كان عيسى يحيي الموتى، وأيّده على عدوهم فأصبحوا ظاهرين على الكفار، وأيّده بما أتاه من العجائب والآيات.

قوله: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }.

قال الكلبي: لما أنزل الله { وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ } قالت اليهود عند ذلك للنبي عليه السلام: فلا مثل ما جاء به موسى جئتنا به، ولا مثل ما عمل موسى. كما زعمت عملت، ولا كما يقص علينا أنبياؤنا فعلت، قال الله: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } ، أي: قتلتم، فلما قال لهم النبي عليه السلام ذلك سكتوا وعرفوا أنه الوحي من الله عيّرهم بما صنعوا.

{ وَقَالُوا } يا محمد { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } في أكنة لا تعقل ولا تفقه ما تقول، وكانت قلوبنا أوعية للعلم، فلو كنت صادقاً سمعنا ما تقول. ذكروا عن الحسن أنه قال: غُلْفٌ قلف لم تختن لقولك يا محمد. وقال ابن مجاهد عن أبيه: غلف أي: في أكنة.

قال الله: { بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }. قال بعضهم: قلَّ من آمن من اليهود.

وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو آمن بي وصدّقني واتَّبعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلاَّ اتَّبعني " قال كعب: اثنا عشر من اليهود، ومصداق ذلك في كتاب الله:وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } [المائدة:12].

وقال بعض المفسِّرين: لا نعلم أحداً من اليهود أسلم على عهد النبي إلا رجل واحد. والحسن يذكر آخر، ولا ندري من هو.

وقال بعض المفسّرين: في قوله تعالى:الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } [القصص:52] ذكروا عن رِفاعة القُرَظي في قوله: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } قال نزلت في عشرة من اليهود أنا أحدهم. وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو آمن بي واتبعني وصدَّقني عشرة من اليهود... " بعد ما أسلم الرجلان اللذان ذكر بعض أهل التفسير، فيكونون تمام اثني عشر كما قال كعب، والله أعلم.