الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

قال: { ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } فنقضتم الميثاق { فَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ } بعد نقض الميثاق الأول حين اتخذوا العجل ثم عفا عنهم بالتوبة التي أمرهم أن يقتلوا أنفسهم [بها] { وَرَحْمَتُهُ } إذ لم يعجّل عليكم بالعذاب { لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ } أي من المعذَّبِينَ.

قوله: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدُوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ }.

قال الكلبي: ذكر لنا أنهم كانوا في زمان داود بأرض يقال لها أَيْلَة وهو مكان من البحر تجتمع فيه الحيتان في شهر من السنة كهيئة العيد، تأتيهم فيها حتى لا يروا الماء. وتأتيهم في غير ذلك الشهر كل يوم سبت كما تأتيهم في ذلك الشهر. قال بعض أهل التفسير: وذلك بلاء من الله ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. قال الكلبي: فإذا جاء السبت لم يمَسّوا منها شيئاً. فعمد رجال من سفهاء تلك المدينة فأخذوا من الحيتان ليلة السبت ويوم السبت. فأكثروا منها وملَّحوا وباعوا. ولم تنزل بهم عقوبة فاستبشَروا وقالوا: إنا نرى السبت قد حلَّ وذهبت حرمته، إنما كان يعاقَب به آباؤُنا في زمان موسى، ثم استَنَّ الأبناءُ سنةَ الآباء. وكانوا يخافون العقوبة، ولو أنهم فعلوا لم يضرَّهم شيءٌ. فعملوا بذلك حتى أَثْرَوا منه، وتزوّجوا النساء، واتخذوا الأموال.

فمشى إليهم طوائف من صالحيهم فقالوا: يا قوم، إنكم قد انتهتكم حرمة سبتكم، وعصيتم ربّكم، وخالفتم سنة نبيّكم، فانتهوا عن هذا العمل الرديء من قبل أن ينزل بكم العذاب؛ فإنا قد علمنا أن الله منزل بكم عذابه عاجلاً ونقمته. قالوا: فلم تعظوننا إن كنتم علمتم بهذا العمل منذ سنين منا، فما زادنا الله به إلا خيراً، وإن أطعتمونا لتفعلُنَّ كالذي فعلنا. وإنما حرّم هذا على من قبلنا. قالوا لهم: ويلكم لا تغتروا ولا تأمنوا بأس الله فإنه كأَنْ قد نزل. قالوا: فـ { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً }. قال الذين آمنوا: { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ }. إما أن تنتهوا فيكون لنا أجر، وإما أن تهلكوا فننجو من معصيتكم. قال الله:فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [الأعراف: 164-165]، يعني فسق الشرك. فأصبح الذين استحلوا السبت قردة خاسئين.

وقال بعضهم: صاروا ثلاث فرق: فرقة اجترأت على المعصية، وفرقة نهت، وفرقة كفّت ولم تصنع ما صنعوا ولم تنههم، فقالوا للذين نهوا لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.

قوله: { قِرَدَةً خَاسِئِينَ }. والخاسىء الذي لا يتكلم وقال بعضهم: فصاروا قروداً تعاوى لها أذناب بعدما كانت رجالاً ونساءً. وقال الحسن: خاسئين: صاغرين.