الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } * { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قوله: { إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا }. وما هاهنا كلمة عربية ليس لها معنى؛ زيادة في الكلام. وهو في كلام العرب سواء: بعوضة فما فوقها وما بعوضة فما فوقها. وذلك أن الله لما ذكر في كتابه العنكبوت والنملة والذباب قال المشركون: ماذا أراد الله بذكر هذا في كتابه، وليس يقرون أن الله أنزله، ولكن يقولون للنبي عليه السلام: إن كنت صادقاً فماذا أراد الله بهذا مثلاً. فأنزل الله: { إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا }.

{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً } قال الله: { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } أي: إلا المشركين. وهذا فسق الشرك، وهو فسق فوق فسق، وفسق دون فسق. والمعاصي كلها فسق.

ثم قال: { الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } وهو الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم. وتفسيره في سورة الأعراف.

قال: { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } قال ابن عباس: ما أمر الله به من الإِيمان بالأنبياء كلهم، لا نفرق بين أحد منهم. وقال بعضهم: ما أمر الله به من صلة القرابة.

قال: { وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ } والفساد فيها العمل بمعاصي الله، وأعظم المعاصي الشرك. { أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }؛ أي: خسروا أنفسهم أن يغنموها فيصيروا في الجنة فصاروا في النار، وخسروا أنفسهم من الحور العين. وتفسيره في سورة الزمر.

ثم قال: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يعني كنتم أمواتاً في أصلاب آبائكم، نطفاً في تفسير بعضهم، وفي تفسير الكلبي: نطفاً وعلقاً ومضغاً وعظاماً، ثم أحياهم فأخرجهم إلى الدنيا، ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم القيامة. وهو قوله:رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } [غافر: 11]. وعلى هذا أمر العامة. فأما خواصّ من الناس فقد أُمِيتوا عقوبة؛ صُعِق بهم، ثم بُعِثوا حتى استوفوا بقية آجالهم، وليس ببعث النشور. منهم السبعون الذين كانوا مع موسى، وتفسيره في سورة الأعراف، وعزير، والَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ } [البقرة:243]، وتفسير ذلك في غير هذا الموضع بعد هذا. وقد أحيى الله أقواماً عبرة للناس وليس بحياة النشور؛ منهم أصحاب الكهف، وصاحب بقرة بني إسرائيل، ومن كان يحيي عيسى عليه السلام بإذن الله، ثم أماتهم الله مكانهم، فلم يعيشوا ولم يأكلوا ولم يشربوا.