الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله: { أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ } أي: نقضه { فَرِيقٌ مِّنْهُم } يعني اليهود. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } كقوله:فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } [البقرة:88].

قوله: { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } يعني محمداً عليه السلام { نَبَذَ } أي نقض { فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي كأنهم ليس عندهم من الله فيه عهد، وعندهم من الله فيه العهد، يعني من كفر منهم.

قوله: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }.

ذكر بعض المفسرين أن الشياطين ابتدعت كتاباً فكتبت فيه سحراً وأمراً عظيماً، ثم أفشته في الناس وعلَّموهم [إياه]. فبلغ ذلك سليمان فتتبع تلك الكتب، فدفنها تحت كرسيه كراهة أَن يتعلَّمها الناس. فلما قبض الله سليمان عمدت الشياطين فاستخرجوها من مكانها وعلّموها الناس، وقالت: هذا علم كان سليمان يستأثر به ويكتمه. فعذر الله سليمان، وأخبر أن الشياطين هي التي كتبت تلك الكتب. فقال: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ }. أي من الكهانة والسحر، { عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ. وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ }. أي: وما كان ذلك عن مشورته ولا عن أمره، ولا عن رضى منه، ولكنه شيء افتعلته الشياطين دونه، ولكن الشياطين الذين افتعلوا ذلك هم الذين كفروا يعلّمون الناس السحر.

قال الكلبي: إن سليمان كان أصاب ذنباً فأَحبّ الله أن يعجِّل عقوبتَه في الدينا. فابتلاه بما كان من أمر الشيطان الذي كان خَلَفَه، وذهب ملك سليمان. فلما انقضت المُدَّة ونزلت رحمة الله عليه ألقى الله في نفس الناس استنكار الشيطان، فمشوا إلى أصف، أحدِ الثلاثة خزان بيت المقدس، فقالوا: يا أصف، إنا قد أنكرنا قضاء الملك وعِلمَه، فلا ندري أنكرت ما أنكرنا أم لا. فقال نعم. ولكني سوف أدخل على نسائه، فإن كُنَّ أنكرن منه مثل الذي أنكرنا فذلك أمر عمّ الناس، فاصبروا حتى يكشف الله عنكم، وإن لم ينكرن منه مثل الذي أنكرنا فهو أمر خُصِصنا به، فادعوا الله لملكِكم بالصلاح والعافية. فانطلق أصف فدخل على نسائه، فسألهن عنه، فقلن: إن كان هذا سليمانَ فقد هلكنا وهلكتم. فخرج أصف إلى الناس فأخبرهم، فدعوا الله ربهم أن يكشف عنهم.

فلما رأت الشياطين الذي فيه الناس من الغفلة كتبوا سحراً كثيراً على لسان أصف، ثم دفنوه في مصلّى سليمان وفي بيت خزانته وتحت كرسيه وضربوا عنه.

وفشا الاستنكار من الناس للشيطان وانقضت أيامه، ونزلت الرحمة من الله لسليمان. فعمد الشيطان إلى الخاتم فألقاه في البحر. فأخذه حوت من حيتان البحر. وكان سليمان يؤاجر نفسه من أصحاب السفن، ينقل السمك من السفن إلى البَرِّ، على أن له سمكتين كل يوم.

السابقالتالي
2 3