قوله: { عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } الغيب السرّ، والشهادة العلانية. { الكَبِيرُ المُتَعَالِ } أي: المتعالي عما قال المشركون. قوله: { سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ القَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ }. قال بعضهم: فيها تقديم. يقول: من أسر القول ومن جهر به ذلك عند الله سواء، سره وعلانيته. { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ } أي: يعمل الذنوب والمعاصي سرّاً بالليل { وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ } أي: وظاهر بالنهار. وقال الكلبي: { مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ }: يعمل الذنوب والمعاصي سراً بالليل، { وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ }: أي: خارج بالنهار ومُعَالِنٌ لتلك الذنوب بالنهار، يقول: الليل والنهار والسر والعلانية عنده سواء. قوله: { لَهُ مُّعَقِّبَاتٌ } أي: لهذا المستخفي وهذا السارب معقبات { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ } فيها تقديم: أي: له معقبات من بين يديه ومن خلفه، من أمر الله ملائكة يحفظونه. قال مجاهد: الملائكة من أمر الله بالليل والنهار. وإنهم يجتمعون عند صلاة الصبح وعند صلاة المغرب. وبعضهم يقول: يحفظونه من أمر الله، أي: بأمر الله. وقال بعضهم: هم ملائكة الله يتعاقبونكم. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيجتمعون عند صلاة الصبح وعند صلاة العصر فيسألهم ربهم، وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون وتركناهم وهم يصلّون " ذكر مجاهد قال: ما من آدمي إلا ومعه ملكان يحفظانه في ليله ونهاره، ونومه ويقظته، من الجن والإِنس والدواب والسباع والهوام، وأحسبه قال: والطير، كلما أراده شيء قالا: إليك حتى يأتي القدر. وقال بعض أصحاب النبي عليه السلام: ما من آدمي إلا ومعه ملكان: ملك يكتب علمه، وملك يقيه ما لم يقدر له. وقال الحسن: إن الملائكة المعقبات الذين يتعاقبون بالليل والنهار أربعة أملاك: ملكان بالليل وملكان بالنهار. ذكر بعضهم أن في مصحف أبي بن كعب: له معقّبات من بين يديه، ورقيب من خلفه. وتفسير الكلبي { يَحْفَظُونَهُ } أي: يحفظون عمله؛ كقوله:{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار:10-12]، وهم يتعاقبون، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يتعاقبون ببني آدم ويحفظون أعمالهم. قوله: { إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ }. وقال في الآية الأخرى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ } [سورة إبراهيم:28]، وذلك أن الله، إذا بعث إلى قوم رسولاً فكذبوه، أهلكهم. كقوله:{ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [النحل:12] وهم أهل مكة{ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } [النحل:113]. وذلك العذاب هو الجوع الذي كان أصابهم، ثم عذِّبوا بعد ذلك بالسيف يوم بدر. قال: { وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءاً } يعني عذاباً { فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } يمنعهم من عذاب الله.