قوله: { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ } هو مثل قوله:{ قُلْ مَن رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [المؤمنون:86-87] قال الله: فإذا أقروا بذلك اي: أنه الله فـ { قُلَ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } وهو على الاستفهام. { لاَ يَمْلِكُونَ لأِنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } ولا تغني عنهم أوثانهم التي يعبدون من دون الله. وهذا استفهام على معرفة. أي: قد فعلتم. { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ } وهذا مثل الكافر والمؤمن؛ الكافر أعمى عن الهدى، والمؤمن أبصر الإِيمان. { أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ } على الاستفهام، أي: إن ذلك لا يستوي. { أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ } يقول: هل يدَّعون أن تلك الأوثان خلقت مع الله شيئاً، فلم يدروا أي الخالقين يعبدون؟ هل رأوا ذلك. وهل يستطيعون أن يحتجوا به على الله يوم القيامة؟ أي: إنهم لا يدّعون ذلك، وإنهم يعرفون أن الله خالق كل شيء، فكيف يعبدون هذه الأوثان من دون الله. وهذا تفسير الحسن. ثم قال الله: { قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ }. وقال مجاهد: { أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ } فحملهم ذلك على أن شكّوا في الأوثان، فاتخذوهم آلهة. قوله: { أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } الكبير بقدره، والصغير بقدره { فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } أي: عالياً، يعني الزبد الذي قد ربا فوق الماء. { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ } هذه ثلاثة أمثال في مثل واحد ضربها الله للمؤمن والكافر. فأما قوله: { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ } فإنه يعني الذهب والفضة إذا أذيبا، فعلا خبثهما، وهو الزبد، فخلص خالصهما تحت ذلك الزبد. { أَوْ مَتَاعٍ } أي: وابتغاء متاع، ما يستمتع به، زبد مثله، أي: مثل زبد الماء. والذي يوقد عليه ابتغاء متاع هو الحديد والنحاس والرصاص إذا صُفِّيَ ذلك أيضاً فخلص خالصه وعلا خبثه، وهو زبده. قال الله: { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ }. قال: { فَأَمَّا الزَّبَدُ } زبد الماء وزبد الحلي وزبد الحديد والنحاس والرصاص { فَيَذْهَبُ جُفَاءً } أي: باطلاً لا ينتفع به، وهذا مثل عمل الكافر لا ينتفع به في الآخرة { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ } أي: فينتفع بالماء، فينبت عليه الزرع والمرعى، فينتفع به. وينتفع بذلك الحلي والمتاع الخالص من الصفر والحديد والرصاص. فهذا عمل المؤمن يبقى ثوابه في الآخرة. قوله: { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثالَ }. ثم فسّر تلك الأمثال فقال: { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ } أي: آمنوا بربهم { الحُسْنَى } أي: الجنة. { وَالّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ } أي: الكفار { لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ }.