قوله: { وَإِنَّ كُلاًّ } يعني الأولين والآخرين { لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }. قوله: { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } على الإِسلام { وَمَن تَابَ مَعَكَ } يعني المؤمنين الذين تابوا من الشرك. { وَلاَ تَطْغَوْا } فترجعوا عن الإِسلام وتطغوا فيما أحل لكم كما طغى أهل الجاهلية فحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام والزرع. ولا تقارفوا كبائر ما نهاكم الله عنه فتطغوا. وهو طغيان فوق طغيان. وطغيان دون طغيان؛ بعضه شرك، وبعضه نفاق دون الشرك. { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }. قوله: { وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } والركون إلى الظلمة من وجهين: يقول: لا تلحقوا بالمشركين ولا ترضوا بأعمالهم، وهم ظلم شرك. وكذلك لا تركنوا إلى الذين ظلموا من المنافقين ولا ترضوا بأعمالهم، وهو ظلم فوق ظلم، وظلم دون ظلم. { فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ } أي: فتدخلوها، إذا أنتم ركنتم إلى الظالمين من المشركين والمنافقين. { وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ } أي: يمنعونكم من عذاب الله { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } أي: لا ناصر لكم من الله. قوله: { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ } يعني الصلوات الخمس: أن تقام على وضوئها وركوعها وسجودها ومواقيتها. وطرفا النهار، في الطرف الأول صلاة الصبح، وفي الطرف الآخر صلاة الظهر والعصر، وزلفا من الليل، يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء. وزلف الليل [أدانيه]، يعني أوائله. قال: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } أي: إن الصلوات الخمس يذهبن ما دون الكبائر. ذكر أبو عثمان النهدي قال: كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة فأخذ غصناً منها، فهزّه حتى تساقط ورقه، ثم قال: إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، فأخذ غصناً منها، فهزّه حتى تساقط ورقه، ثم قال: " إن الرجل المسلم إذا توضأ وأحسن وضوءه، ثم صلّى الصلوات الخمس تحاتّت عنه ذنوبُه كما تَحَاتُّ هذا الورق " ، ثم تلا هذه الآية: { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى للذَّاكِرِينَ }. ذكر الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إن الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر " قوله: { ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } أي: توبة للتائبين. ذكروا عن عبد الله بن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن كفارتها، فنزلت هذه الأية: { أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ... } إلى قوله: { ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }.