{ قل أيُّ شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم } ، قيل: قالت مشركو قريش لقد سألنا اليهود والنصارى عنك فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، فأرنا من يشهد لك فنزل قوله تعالى: { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به } وأنذر كل من بلغه من العرب والعجم، وقيل: من الثقلين، وقيل: من بلغه إلى يوم القيامة، وعن سعيد بين جبير: من بلغه القرآن فكأنما رأى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { أئنكم لتشهدون } تقرير لهم مع استنكار واستبعاد { قل لا أشهد } بشهادتكم، قوله تعالى: { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } هؤلاء هم اليهود يعرفون محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما يعرفون أبناءهم وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب، وبصحة نبوته، ثم قال: { الذين خسروا أنفسهم } من المشركين ومن أهل الكتاب والجاحدين { فهم لا يؤمنون } به، قال جار الله: جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على الله تعالى، وكذبوا رسوله حيث قالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا وقالوا: والله أمرنا بها، وقالوا: الملائكة بنات الله، وقالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً } أي كفر، قال الحسن: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً فأشرك به غيره { أو كذب بآياته } وهي القرآن { إنه لا يفلح الظالمون } { ويوم نحشرهم جميعاً } العابدين والمعبودين { ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم } أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله { الذين كنتم تزعمون } أنها تنفعكم وإنما قال لهم ذلك على جهة التوبيخ { ثم لم تكن فتنتهم } كفرهم { إلا أن قالوا } والمعنى { ثم لم تكن } عاقبة كفرهم الذي لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه وافتخروا به، وقيل: لم يكن جوابهم إلاَّ أن قالوا تسمى فتنة لأنه كذبٌ، وقيل: الآية نزلت في المنافقين مروا على عادتهم في الدنيا، وقيل: هو عام في المنافقين والكفار وهو الصحيح، وقيل: { فتنتهم } خلاصهم يعني المحنة التي يتوهمون أنهم يتخلصون بها، وقيل: معذرتهم { إلاَّ أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } يعني لم يكن اعتذارهم إلاَّ هذا، وقيل: قالوا ذلك لعظيم ما يرون من الأهوال { انظر } يا محمد { كيف كذبوا على أنفسهم } في الدنيا بقولهم انا مصيبون في قولنا، انا غير مشركين، واختلفوا هل يجوز في الآخرة أن يكذبوا فالأكثر قالوا لا يجوز لأنها ليست دار تكليف، وقيل: يجوز ذلك لما يلحقهم من الدهش، قال جار الله: فإن قلتَ: كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور على أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟ قلتُ: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشاً، ألا تراهم يقولون ربنا أخرجنا فإن عدنا فانا ظالمون وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكُّوا فيه وقالوا: يا مالك ليقض علينا ربك وقد علموا أنه لا يقضي عليهم، وأما قول من يقول معناه ما كنا مشركين عند أنفسنا، وما علمنا انا على خطأ في معتقدنا، وحمل قوله: { أنظر كيف كذبوا على أنفسهم } يعني في الدنيا متحمل وتعسف وتحريف، وقد قال تعالى:{ يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون } [المجادلة: 18] بعد قوله:{ ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } [المجادلة: 14] فشبَّه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا.