قوله تعالى: { إن الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان } جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجمع أبا سفيان بأُحد يعني الذين انهزموا بأُحد، وقيل: أراد به الرماة { إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا } طلب منهم الزلل ودعاهم إليه ببعض ما اكتسبوا من ذنوبهم، ومعناه أن الذين انهزموا يوم أُحد كان السبب في توليتهم أنهم أطاعوا الشيطان فافترقوا، فلذلك منعهم التأييد حتى تولّوا، وقيل: استزلال الشيطان إياهم هو التولي وإنما دعاهم إليه بذنوب قد تقدَّمت لهم، لأن الذنب يجر إلى الذنب كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة، وقيل: تركهم المركز الذي أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالثبات فيه فجرَّهم ذلك إلى الهزيمة، قوله تعالى: { ولقد عفى الله عنهم } لتوبتهم واعتذارهم، قوله تعالى: { إذا ضربوا في الأرض } يعني إذا سافروا فيها للتجارة أو غيرها { أو كانوا غُزًّى } يعني غزاة للكفار { والله يحيي ويميت } رد لقولهم أي الآمر بيده قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد { والله بما تعملون بصير } فلا تكونوا مثلهم، قوله تعالى: { ممَّا يجمعون } من الدنيا ومنافعها، وعن ابن عباس خير من طلاع الأرض ذهبةً حمراء، قوله تعالى: { ولئن متُّم أو قُتِلْتُمْ لإِلى الله تحشرون } لإِلى الرحيم الواسع الرحمة تحشرون، قوله تعالى: { ولو كنت فَظَّاً غليظ القلب } قاسيه { لانْفَضُّوا من حَوْلِكَ } تفرَّقوا عنك، قوله تعالى: { فاعف عنهم } فيما يختصُّ بك { واستغفر لهم } فيما يختص بحق الله سبحانه إتماماً للشفقة عليهم، قوله تعالى: { وشاورهم في الأمر } يعني أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحيٌ ولما فيه من تطييب نفوسهم، وعن الحسن: " قد علم الله أن ما به اليهم حاجة ولكنه أراد أن يستن به من بعده " وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم " وعن أبي هريرة: ما رأيت أحداً أكثر مشاورةً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل ذلك يتعطف الله نبيَّه مما جرى من أصحابه من الهزيمة والعصيان يوم أُحد، قال الشاعر:
شاور صديقك في الحفا المشكلِ
واقبل نصيحة ناصحٍ متفضلِ
فالله قد أوصى بذاك نبيَّه
في قوله شاورهم وتوكلِ
فإذا { عزمت فتوكل على الله } يعني: فإذا قطعت الرأي على شيء بعد المشاورة فتوكل على الله في إمضاء أمرك.