{ ولكنا أنشأنا قروناً } أي خلقنا وأحدثنا جماعات { فتطاول عليهم العمر } على آخرهم وهو القرآن الذي أنت فيهم، أي أمد انقطاع الوحي واندرست العلوم فوجب إرسالك اليهم فأرسلناك وكسبناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى، كأنه قال: وما كنت شاهداً لموسى وما جرى عليه ولكنا أوحينا إليك بذلك، وقيل: خلقنا خلقاً كثيراً وقلنا لهم صفتك ونعتك وأمرنا الأول بإبلاغ الثاني فأمدهم الزمان فنسوا عهد الله فيهم فلم يصدق الآخر الأول في نعتك وصفتك { وما كنت ثاوياً } مقيماً { في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا } يعني ما كنت مقيماً في أهل مدين شاهداً بتلك الأحوال فلولا الوحي ما علمك ذلك { ولكنا كنا مرسلين } إياك فعرفت من أمر شعيب ما عرفت من موسى { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } أي ما حضرت الطور حين كلم موسى (عليه السلام) بحضرة السبعين { ولكن رحمة من ربك } يعني نعمة أنعمها عليك بأن بعثناك نبياً { لتنذر قوماً ما آتاهم من نذير من قبلك } وهم أهل مكة، وقيل: القرون الذي بعث إليهم { لعلهم يتذكرون } { ولولا أن تصيبهم مصيبة } عقوبة قيل: عذاب الدنيا والآخرة { بما قدمت أيديهم } من المعاصي { فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك } أي كنا نتبع الرسل { ونكون من المؤمنين } المصدقين { فلما جاءهم الحق من عندنا } ، قيل: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والقرآن والإِسلام { قالوا } الآية يعني كفار مكة قالوا ذلك، وقيل: مشركي العرب كفروا بالتوراة والقرآن، وقيل: هم الذين كانوا زمان موسى قالوا: كفرنا بما أتيت به { قل } يا محمد { فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما } يعني كتاب موسى ومحمد { إن كنتم صادقين } { فإن لم يستجيبوا لك } أي لم يجيبوا في ذلك ولم يأتوا بحجة { فاعلم إنما يتبعون أهواءهم } وهو تقليد السلف وما تهوى أنفسهم قوله تعالى: { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } أي من غير بيان وهداية { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } ، قيل: لا يهديهم إلى الجنة والثواب، وقيل: لا يلطف { ولقد وصّلنا لهم القول } ، أي بينا، وقيل: وصلنا خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا، وقيل: وصلنا الأمر والنهي والوعد والوعيد والمواعظ أي كررنا، وقيل: وصلنا لهم القول بما أهلكنا من القرون وأخبرناهم بأنا أهلكنا قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم { لعلهم يتذكرون } عاقبة ما نزل بهم { الذين آتيناهم الكتاب } نزلت في مؤمني أهل الكتاب، وقيل: في أربعين من أهل الانجيل اثنان وثلاثون جاؤوا مع جعفر من الحبشة وثمانية من الشام، وقد تقدم ذكرهم في سورة المائدة في قوله:{ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول } [المائدة: 83] الآية { من قبله } من قبل القرآن، والمراد بالكتاب التوراة والانجيل { هم به يؤمنون } يعني الذين أوتوا الكتاب يصدقون { وإذا يتلى عليهم } يعني القرآن { قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين } أي قبل نزول القرآن لأنهم وجدوا في كتبهم صفته فآمنوا به قبل البعث فلما بعث وعاينوه آمنوا به { أولئك يؤتون أجرهم مرتين } أي ضعفين لايمانهم بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، وقيل: الأول قبل البعث وبعده، أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب، { ويدرؤون بالحسنة السيئة } قيل: بالخير من الكلام يدفعوا العذاب بمجانبة المعاصي، وقيل: الطاعات والتوبة { ومما رزقناهم ينفقون } في سبل الخير والطاعة { وإذا سمعوا اللغو } من المبطلين ما يؤديهم وهو قبيح الكلام { أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكن أعمالكم } أي كل أحد يمادي بفعله { سلام عليكم } قالوا قولاً لطيفاً حسناً يسلمون من شرهم، وقيل: معناه ليس بيننا كلام، لا نخوض معكم، ولا نريد صحبتكم، وليس هو بسلام تحيّة وإنما هو سلام متاركة، وقيل: السلام هو الله أي الله شاهد عليكم بما تقولون فيجازيكم { لا نبتغي الجاهلين } ، قيل: مجازاة الجاهلين.