{ قيل لها ادخلي الصرح } القصر، وقيل: صحن الدار، وروي أنه أمر قيل: قدومها فبني له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى فيه من تحته الماء وألقى فيه من دواب البحر السمك وغيره، ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإِنس، وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاماً لأمره وتحقيقاً لنبوته وبياناً على الدين، وزعموا أن الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم لأنها كانت بنت جنيّة، وقيل: خافوا أن يولد له منها ولد فيجمع له فطنة الجن والإِنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد وأفظع، فقالوا له: إن في عقبها شيئاً وهو شعر الساقين ورجلها كحافر الحمار، فاختبر عقلها بتنكير العرش، واتخذ الصرح ليعرف ساقها فكشفت عنهما فإذا هي أحسن الناس ساقاً إلا أنها شعراء، ثم صرف بصره وناداها: { إنه صرح ممرّد من قوارير } ، وقيل: هي السبب في اتحاد النورة أمر بها الشياطين فاتخذوها، واستنكحها سليمان وأحبها وأقرها على ملكها وأمر الجن فبنوا لها سلحين وعمدان، وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له، وقيل: بل زوجها ذا تبع ملك همدان وسلطه على اليمن، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يطيعه فبنى له المصانع ولم يزل أميراً حتى مات سليمان، روي ذلك في الكشاف، ثم بيَّن تعالى قصة صالح فقال تعالى: { ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون } يعني فريق مؤمن وفريق كافر، وقيل: أراد بالفريقين صالح وقومه قبل أن يؤمن منهم أحد، وقوله: { يختصمون } يقول كل فريق: الحق معي، وذلك أنهم سارعوا في الدين قبل اختصامهم ما حكى الله عنهم في سورة الأعراف قوله:{ وقال الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا } [الأعراف: 75] إلى أن قالوا:{ يا صالح ائتنا بما تعدنا } [الأعراف: 77] من العذاب فقال صالح: { يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة } ، قيل: بالعذاب قبل الرحمة، وقيل: السيئة العقوبة، والحسنة التوبة، وقيل: أنهم كانوا بجهلهم يقولون: أن العقوبة التي يعدها صالح إن وقعت بيننا حينئذ واستغفرنا مقدرين أن التوبة مقبولة في ذلك الوقت، وإن لم يقع فنحن على ما نحن عليه، فخاطبهم صالح على حسب قولهم واعتقادهم قال لهم: هلا { تستغفرون الله } قبل نزول العذاب { لعلكم ترحمون } { قالوا اطيرنا بك } أي تشاءمنا بك { وبمن معك } ممن هو على دينك، قيل: امسك عنهم المطر فحطموا فقالوا: هذا من شؤمك وشؤم أصحابك، ولم يعلموا أن ذلك شؤم كفرهم فقال صالح: { طائركم عند الله } مصائبكم، يعني ما يصيبكم من الخير والشر والخصب والجدب عند الله { بل أنتم قوم تفتنون } تعذبون أو يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم { وكان في المدينة تسعة رهط } يعني مدينة هود وهي الحجر { يفسدون } يعني تسعة نفر، وقيل: كانوا من أشرافهم، وروي أنهم الذين سعوا في عقر الناقة { قالوا تقاسموا بالله } أي تحالفوا بينهم، وقيل: لما آتاهم أمارات العذاب اجتمعوا وتقاسموا على قتله وقتل من معه من المؤمنين، وقيل: لما متعوا ثلاثة أيام فخافوا العذاب ودبروا في قتله فقالوا عند التحالف { لنبيتنه } ليلاً ولنقتلنه { وأهله } الذين معه على دينه، ثم طلبوا عذراً عند أوليائه، وكانوا أهل شوكة فقالوا: { ثم لنقولنّ لوليّه } ولي دمه { ما شهدنا مهلك أهله } أي إهلاكهم { وإنا لصادقون } في هذا العذر، قيل: لما اجتمعوا أتوا صالحاً دفعهم الملائكة بالحجارة، وقيل: أخذتهم الصيحة { ومكروا مكراً } أي دبروا واحتالوا حتى قصدوا بيت صالح { ومكرنا مكراً } أي جازيناهم على مكرهم { وهم لا يشعرون } يعني لا يعلمون عاقبة أمرهم { فانظر } يا محمد أو أيها السامع { كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمّرناهم وقومهم أجمعين } { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } يعني بيوت ثمود وهي بوادي الحجر بين المدينة والشام خاوية خربة خالية، وروي أنهم أهلكوا بالصيحة، وقيل: رموا بالحجارة { إن في ذلك لآية } لعبرة فيما تقدم من القصص { لقوم يعلمون } { وأنجنيا الذين آمنوا } من العذاب صالح ومن معه { وكانوا يتقون } الكفر والمعاصي { ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون } أنها فاحشة { أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون } ، قيل: تجهلون الحق، وقيل: تجهلون العقوبة { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } عن إتيان الرجال { فأنجيناه وأهله } ومن آمن به، قوله تعالى: { إلاَّ امرأته قدرناها } قضينا عليها، وقيل: كتبنا عليها { من الغابرين } الباقين في العذاب لأنها شاركتهم في الشرك ورضيت بفعلهم { وأمطرنا عليهم مطراً } وهي الحجارة، وقيل: مطر الغائب وخسف الحاضر في المدينة فهم يهوون إلى يوم القيامة عن الحسن { فساء مطر المنذرين } أي الكفار، قيل: الخطاب للوط، وقيل: للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: يحتمل لكل من سمع.