الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } * { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } * { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }

{ ولقد اتينا داوود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين } بالنبوة والمعجزة والملك { وورث سليمان داوود } نبوته وعلمه وملكه دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر، وكان داوود أكثر تعبداً، وسليمان أقضى وأشكر لنعمة الله { وقال يا أيها الناس عُلّمنا منطق الطير } وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يفهم المراد بمعاني نغماتها والذي علمه سليمان، ويحكي أنه مرَّ على بلبل في شجر يحرك رأسه، ويميل ذنبه فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ فقالوا: الله ونبيه أعلم، قال: يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وصاح طاووس فقال: يقول: كما تدين تدان، وصاح هدهد فقال: يقول: استغفروا الله يا مذنبين، والديك يقول: اذكروا الله، والنسر يقول: يابن آدم عش ما شئت آخرك الموت، والعقاب يقول: في البعد من الناس أنس { وأوتينا من كل شيء } علماً، وقيل: من الملك والنبوة والكتاب والتسخير { إن هذا لهو الفضل المبين } الظاهر من الله علينا { وحشر لسليمان جنوده } أي جمع لسليمان جنوده { من الجن والإِنس والطير فهم يوزعون } أي يحشر أولهم على آخرهم، وروي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة فرسخ خمسة وعشرون للجن، وخمسة وعشرون للإِنس، وخمسة وعشرون للطير، وخمسة وعشرون للوحش، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية، وقد نسجت له الجن بساطاً من ذهب وابرسم فرسخاً في فرسخ وكان موضع منبره في وسطه وهو من ذهب فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة، فتقعد الأنبياء على كراسي الذهب، والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس، وحول الناس الجن والشياطين، فتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عنه الشمس، وترفع ريح الصبا البساط فتسيره، وروي أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء فتسيّره، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك لا يتكلم أحد بشيء إلاَّ ألقته الريح في أذنه، فنزل ومشى إلى الحراث وقال: أنا مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه، ثم قال: تسبيحة واحدة تقبّلها الله خير مما أوتي آل داوود، وروي أنه كان يقعد على البساط وهو على كرسي وحوله العلماء والناس { حتى إذا أتوا على واد النمل } ، قيل: هو بالطائف، وقيل: وادي النمل بالشام { قالت نملة } ، قيل: كانت ذات جناحين فسمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال { يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } أي لا يعلمون بكم { فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه } وذلك أن سليمان لما سمع النملة أمر الرياح فوقفت لئلا يذعرون حتى دخلن مساكنهن ثم دعى بالدعوة، ومعنى { وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين } يعني واجعلني من أهل جنّتك مع عبادك الصالحين، ثم ذكر تعالى ما جرى لسليمان مع الهدهد فقال سبحانه: { وتفقّد الطير } أي طلبها وبحث منها { فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } وذكر في قصة الهدهد أن سليمان حين تمّ له بناء بيت المقدس تجهز للحج بحشره، فوافى الحرم وأقام به ما شاء الله وكان يقرّب كل يوم طول مقامه بخمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة، ثم عزم على المسير إلى اليمن، فخرج من مكة صباحاً، فوافى صنعاء عند الزوال، فرأى أرضاً حسناء أعجبه خضرتها، فنزل يتعبد ويصلي فلم يجد الماء، وكان يرى من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاج، فتجيء الشياطين فيسلخونها كما يسلخ الإِهاب، وتفقد الطير لذلك، وحين نزل سليمان حلّق الهدهد فرأى هدهداً رافعاً فانحط إليه، فوصف له ملك سليمان وما سخّر له من كل شيء، وذكر له صاحبه ملك بلقيس وأن تحت يدها اثني عشر ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف، وذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر، فذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خالياً، فدعا عفريت الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد عنده علمه، ثم قال لسيّد الطير وهو العقاب عليَّ به، فارتفعت فنظرت فإذا هو مقبل فقصدته، فناشدها بالله وقال: سألتك بالله الذي قواك وأقدرك عليَّ ألا رحمتني، فتركته وقالت: ثكلتك أمك ان نبي الله قد حلف ليعذبنك، قال: وما استثنى؟ قالت: بلى، أو ليأتيني بعذر بيّن، فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحه مكرها على الأرض تواضعاً له، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه فقال: يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله، فارتعد سليمان وعفى عنه، قيل: كان يعذب سليمان الطير أن ينتف ريشه ويشمسه، وقيل: يلقيه في واد النمل، وقيل: بل يفرق بينه وبين الفه { أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين }.