{ قد أفلح المؤمنون } أي فاز وظفر بالمطلوب المؤمنون فهي بشارة لهم، ثم ثنى صفة المؤمنين فقال: { الذين هم في صلاتهم خاشعون } وحقيقة الخشوع في الصلاة في القلب والجوارح، ولقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته: " أما أنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه " والخشوع أصله السكون والتذلل وهو قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في القلب والبصر والصوت، وقيل: خائفون، وقيل: متواضعون، وقيل: هو غض البصر وخفض الجناح ولا تلتفت يميناً ولا شمالاً { والذين هم عن اللغو معرضون } عن المعاصي، وقيل: الحلف الكاذب، وقيل: الشتم { والذين هم للزكاة فاعلون } يودّون { والذين هم لفروجهم حافظون } يعني يحفظونها بما لا يجوز { إلا على أزواجهم } فأباح وطي الزوجة وملك اليمين { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } ، قيل: الخارجون عن حدود الله، يعني من طلب سوى ذلك فأولئك هم العادون { والذين هم لأماناتهم } يعني ما ائتمنوا عليه، وهو على وجهين: اما أمانات الله من العبادات، وإما أمانات العباد كالودائع والعواري والشركة والمضاربة والشهادات وغيرها من العقود { وعهدهم } عقودهم وهو على ثلاثة أوجه: أوامر الله، ونذور الانسان، والعقود التي بين الناس { راعون } والراعي القائم على شيء يحفظه كراعي الغنم وراعي الرعية، أي حافظون وافون { والذين هم على صلاتهم يحافظون } يداومون فلا يضيعونها ويراعون أوقاتها وهي الصلوات الخمس والوتر والسنن المرتبة مع كل صلاة وصلاة الجمعة، والعيدين والجنازة والاستسقاء والكسوف والخسوف وصلاة الضحى وصلاة التهجد وصلاة التسبيح وصلاة الحاجة وغيرها من النوافل { أولئك } يعني من كان بهذه الصفة { هم الوارثون } يوم القيامة منازل أهل البيت النار روي مرفوع، وقيل: الوارثون الجنة ونعيمها لأنها تول إليهم الفردوس على تأويل الجنة، وهو البستان الواسع الجامع، وروي أن الله تعالى بنى جنة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة وجعل خلالها المسك الأذفر.