{ وهل أتاك حديث موسى } يعني قد أتاك خبره { إذ رأى ناراً } ، قيل: أن موسى استأذن شعيباً في الخروج إلى الله فأذن له وخرج بأهله، فولدت له في الطريق ابناً في ليلة شاتية مظلمة مثلجة، وقد ضلّ الطريق، وتفرقت ماشيته وما عنده، فقدح النار فلم يور، فأبصر ناراً من بعيد عن يساره وكان ذلك ليلة الجمعة { فقال لأهله } امرأته { امكثوا } أقيموا مكانكم وهي بنت شعيب { إني آنست } أبصرت { ناراً لعلي آتيكم منها بقبس } النار المقبسة من رأس عود أو فتلة أو غيرها { أو أجد على النار هدى } أي أجد قوماً يهدوني في الدين أو يعرفوني الطريق { فلمَّا أتاها } أتى النار، قيل: رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها تستوقد فيها ناراً بيضاء ويسمع تسبيح الملائكة، وقيل: كان نوراً ولم يكن ناراً، وقيل: النار والنور واحد، وقيل: لما رأى ذلك تحيّر وتعجّب وعلم أنه معجز العادة فقال سبحانه: { نودي } أي ناداه الله تعالى وقال: { يا موسى إني أنا ربك } ، وقيل: لما كلَّمه الله قال: من المتكلم؟ قال الله: { إني أنا ربك } ، فإن قيل: كيف أسمعه كلامه؟ قالوا: الكلام فعل المتكلم فخلق الله النداء في الشجرة، وقيل: رأى نوراً عظيماً فخاف فألقيت عليه السكينة ثم نودي وكانت الشجرة عوسجة، وروي أن إبليس وسوس اليه لعلك تسمع كلام شيطان، فقال: أنا أعرف أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع جهاتي الست، وأسمعه بجميع أعضائي { فاخلع نعليك } ، قيل: أمر بخلع نعليه لأنهما كانا من جلد حمار ميت غير مدبوغ، وقيل: ليباشر الوادي بقدميه متبركاً، وقيل: لأن الحفرة تواضع لله، ومن ثم طاف السلف بالكعبة، وروي أنه خلع نعليه وألقاهما وراء الوادي، ومنهم من استعظم دخول المسجد بنعليه { إنك بالواد المقدس } المبارك، وقيل: المطهر { طوىً } ، قيل: اسم الوادي { وأنا اخترتك } للرسالة { فاستمع لما يوحى } ، ثم ابتدأ بالتوحيد فقال: { إنني أنا الله لا إله إلاَّ أنا } أمره أن يبلغ ذلك قومه { فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } فيها بالتسبيح والتعظيم، وقيل: لأن اذكر بالمدح والثناء { إن الساعة آتية } لا محالة { أكاد أخفيها } وأكاد صلة، وقيل: أكاد أريد كقوله: { كدنا ليوسف } أي أردنا، والإِخفاء هو الإِسرار، يقال: خفيت الشيء { لتجزى كل نفس بما تسعى } من خير وشر { فلا يصدّنك } عن الساعة { من لا يؤمن بها } لا يمنعك بالإِيمان بالساعة من لا يؤمن بالساعة { واتّبع هواه فتردى } فتهلك { وما تلك بيمينك } إنما سأله ليريه عظيم ما يخترعه عز وعلا من الخشبة اليابسة من قلبها حيَّة وكانت لها شعبتان وفي أسفلها سنان، وقيل: كانت من أوس الجنة أخرجها آدم (عليه السلام) وتوارثوه إلى أن بلغ شعيباً فدفعها إلى موسى { أتوكأ عليها وأهشّ بها على غنمي } أخبط بها ورق الأشجار لترعاها غنمي { ولي فيها مآرب أخرى } قال جار الله: كانت ذات شعبتين ومحجن فإذا طال الغصن جناه بالمحجن، وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين، وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة، وكان يقاتل بها السباع، وروي أنه كان يستسقي بها فتطول طول البئر فتصير شعبتاها دلواً، ويكونان بالليل وإذا ظهر عدو حاربت عنه، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت، وكان يحمل عليها رداءه وسقاءه فجعلت تماشيه، وإذا سار في البرية ركزها واستظل، كل ذلك معجزات ظهرت فيها { قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حيَّة تسعى } تمشي بسرعة، وقيل: صارت حية صفراء لها عرف كعرف الفرس، وجعلت تورم حتى صار ثعباناً وهو أكبر ما يكون من الحيات عن ابن عباس { قال خذها } يا موسى { ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى } أي في حال ما كانت عصا { واضمم يدك إلى جناحك } وجناحا الإِنسان جانباه والأصل المستعار منه جناحي الطير، والمراد إلى جنبك تحت العضد { تخرج بيضاء من غير سوءٍ } كناية عن البرص، وروي أنه كان آدم فأخرج يده من المدرعة بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس أي خذ هذه الآية بعد العصا حية { لنريك } لهاتين الآيتين بعض { من آياتنا الكبرى } ولما الرسالة وأداة المعجزة أمره بالتبليغ فقال: { اذهب إلى فرعون إنه طغى } تعدّى { قال رب اشرح لي صدري } يعني وسّع لي صدري حتى لا أضجر { ويسِّر لي أمري } أي سهّل علي أدنى ما كلّفتني { واحلل عقدة من لساني } وكان في لسانه عقدة، وعن ابن عباس كان في لسانه رتّه لما روي في حديث الجمرة، واختلف في زوال العقدة بكمالها فقيل: بقي بعضها لقوله: { وأخي هارون هو أفصح مني لساناً } ، وقوله: { ولا يكاد يبين } وكان في لسان الحسين (رضي الله عنه) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):