{ يؤتي الحكمة من يشاء } قيل: هو العلم والعمل، وقيل: هو علم القرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وحلاله وحرامه، وقيل: النبوة، وقيل: علم الدين { إلا أولو الألباب } قيل: العلماء الحكماء العمال، وقيل: أولو العقل { وما أنفقتم من نفقة } في سبيلي أو سبيل الشيطان { أو نذرتم من نذر } في طاعة الله أو معصيتِه { فإن الله يعلمه } أي لا يخفى عليه ذلك وهو مجازيكم عليه، وروي أنهم سألوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: أصدقة السر أفضل أم صدقة العلانية فنزل قوله تعالى: { إن تبدوا الصدقات فنعمَّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } أي فالاخفاء خير لكم والمراد هنا الصدقات المتطوع بها فان الافضل في الفرائض ان يجاهر بها، وعن ابن عباس (رضي الله عنه): صدقة السر في التطوع تفضُل علانيتها سبعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً، قوله تعالى: { ليس عليك هداهم } أي لا يجب عليك ان تجعلهم مهتدين الى الانتهاء عما نهوا عنه من المن والاذى والانفاق من الخبيث وغير ذلك وما عليك الا ان تبلغهم النواهي فحسب { ولكن الله يهدي من يشاء } يلطف به { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } وطلب ما عنده فما بالكم تمنون به { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } ثوابه أضعافاً مضاعفة { وأنتم لا تظلمون } أي لا ينقص من ثواب أعمالكم شيء { للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله } احصرهم الجهاد، وقيل: منعهم الكفار، وقيل: منعوا أنفسهم عن طلب المعاش، قوله تعالى: { لا يستطيعون ضرباً في الأرض } لا يمكنهم التصرف في الأرض للتجارة خوفاً للكفار والآية نزلت في فقراء المهاجرين وكانوا نحو اربع مائة فقير، وقيل: هم اصحاب الصفَّة لم يكن لهم مساكن في المدينَة ولا عشائر وكانوا في صفَّة المسجد وهي سقيفة يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار وكانوا يخرجون في كل سريَّة يبعثها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن كان عنده فضل اتاهم به، وعن ابن عباس انه وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً على اصحاب الصفَّة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال: " الا ابشروا يا أصحاب الصفَّة فمن بقي من أُمتِّي على التعب الذي انتم فيه راضياً بما هو فيه فانه من رفقائي " قوله تعالى: { يحسبهم الجاهل } لأحوالهم { أغنياء من التعفف } أي مستغنيين من أجل تعففهم عن المسألة { تعرفهم بسيماههم } من صفر الوجوه { لا يسألون الناس إلحافاً } الإلحاف الإلحاح ومعناه انهم سألوا بتلطف ولم يلحوا، وقيل: هو نفي السؤال عنهم.