{ وإن الله ربي } خالقي وخالقكم { فاعبدوه } وحّدوه { هذا صراط مستقيم } أي طريق واضح { فاختلف الأحزاب } الجماعات { من بينهم } ، قيل: هم النصارى افترقوا في عيسى فرقاً ثلاثاً اليعقوبية والنسطورية والملائكة، وقيل: اليهود والنصارى من أهل الكتاب اختلفوا في عيسى، وقيل: أراد جميع الكفار الذين تحزّبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { من بينهم } من للتبعيض لأن منهم من ثبت على الحق { فويل للذين كفروا } ، قيل: الويل كلمة وعيد { من مشهد يوم عظيم } يعني من مجمع يوم، أي الويل لهم من الفضيحة على رؤوس الجمع وهو يوم القيامة، قال جار الله: أو من كان الشهود فيه وهو الموقف، أو من شهادة ذلك اليوم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم { أسمع بهم وأبصر } ، قيل: ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة ولكن لا ينفعهم، وقيل: أسمعهم ما أنزلنا عليك من وعيدهم وأبصرهم بالوصف لهم ذلك حين يصيرون كأنهم يبصرون { يوم يأتوننا } أي يأتون القيامة { لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين } يعني في الدنيا في ضلال مبين ظاهر، قال جار الله في قوله: { أسمع بهم } معناه التهديد بما يسمعون ويبصرون ما يسؤهم ويصدع قلوبهم { وأنذرهم } خوَّفهم { يوم الحسرة } أي يوم القيامة، وسميت الحسرة لكثرة الحسرات والتأسف على ما فرط، وقيل: إنما يتحسر من يستحق العقاب فقط والله أعلم، قوله تعالى: { إذ قضى الأمر } فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سُئِل فقال: " حين يذبح الكبش والفريقان ينظرون " { وهم في غفلة } يعني في الدنيا عن ذلك { وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } يعني نميتهم فلا يبقى ملك ولا متصرف ويبقى الله تعالى فيرث الأرض ومن عليها، والمراد بالإِرث زوال ملك أهلها { وإلينا يرجعون } يعني يبعثون يوم القيامة فيرجعون إلى حكمه وجزائه على أعمالهم، ثم ذكر قصة إبراهيم فقال سبحانه: { واذكر } يا محمد { في الكتاب } في القرآن { إبراهيم إنه كان صدّيقاً نبياً } كثير الصدق في أمور الدين، وكثرة ما صدق به من عيوب الله وآياته وكتبه ورسله { إذ قال لأبيه } آزر وكان كافراً: { يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } ، قيل: لا ينفعك ولا يضرك ولا يغني عنك شيئاً، قيل: أراد الأصنام، وقيل: أراد كل معبود عبدوه قومه من الشمس والقمر والنجوم { يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك } يعني من علوم الدين وأمر القيامة وأحوالها ومن وعد الله ووعيده ما لم تعلم { فاتّبعني أهدك صراطاً سويَّاً } أي طريقاً مستوياً وهو طريق الحق، وقيل: طريق الجنة { يا أبت لا تعبد الشيطان } ، قيل: لا تطيعه فيما يدعوك فتكون بمنزلة من عبده لأن من أطاع شيئاً فقد عبده، ويحتمل أن المراد بالشيطان رؤساءهم والأول الوجه ولا شبهة أنهم لم يعبدوا الشيطان ولم يصلّوا له ولكن أطاعوه { يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليّاً } قريناً في النار، وقيل: لا حق للشيطان في اللعن، ثم بيّن تعالى حديث إبراهيم (عليه السلام) في دعوته إلى دينه فقال سبحانه: { قال } يعني أبو إبراهيم وهو آذر مجيباً له حين دعاه إلى الإِيمان { أراغب أنت عن آلهتي } أتزهد في عبادة آلهتي التي هي الأصنام، وقيل: تأنف عن عبادة آلهتي { لئن لم تنته لأرجمنَّك } ، قيل: بالحجارة، وقيل: أظهر أمرك للناس فيرجموك ويقتلوك { واهجرني مليَّاً } ، قيل: دهراً طويلاً، فلما سمع ابراهيم من أبيه هذا الجواب الموحش { قال سلام عليك } ، قيل: توديع على اللطف وهو سلام متاركة ومباعدة، وقيل: أما أن لك مني ما أردت من اعتزالي فإني أفعله، وقيل: أراد سلامة الدنيا، قال في الحاكم: وهذا يجوز أن يدعا به للكافر { سأستغفر لك ربي } ، قيل: كان وعده أن يؤمن فاستغفر له بشرط أن يصدق وعده { إنه كان بي حفيّاً } لطيفاً رحيماً ثم بيَّن أنه يختار الدين على مساعدة الأب والهجرة عن الوطن فقال: { وأَعتزلكم وما تدعون من دون الله } ، قيل: تدعونه إلهاً وهي الأوثان، وقيل: تدعون تعبدون { وأدعوا ربي } أي أعبده وأدعوه إلهاً { عسى } على وجه الخضوع { ألاَّ أكون بدعاء ربي } ، قيل: هو ها هنا واجبٌ ومعناه { ألاَّ أكون بدعاء ربي شقيَّاً } كما شقيتم بدعاء الأصنام { فلمَّا اعتزلهم } أي فارقهم قيل: فارقهم إلى الأرض المقدسة { وما يعبدون من دون الله } يعني يدعونه إلهاً وهي الأوثان { وهبنا له إسحاق ويعقوب } إبناً وابن ابنٍ { وكُلاًّ جعلنا نبياً } يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب (صلوات الله عليهم أجمعين)، قوله تعالى: { ووهبنا لهم من رحمتنا } ، قيل: المال والولد، وقيل: النبوة والكتاب، وقيل: الرحمة والنعمة فوهبهم نعمة الدنيا والدين { وجعلنا لهم لسان صدقٍ علياً } رفيعاً قيل: بناء حسناً ولسان العرب لغتهم وكلامهم استجاب الله دعوته { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } ثم ذكر حديث موسى واسماعيل فقال سبحانه: { واذكر } يا محمد { في الكتاب } في القرآن { موسى إنه كان مخلصاً } ، قيل: أخلص العبادة لله، وقيل: كان موحداً مسلماً، وبفتح اللام كان مختاراً للرسالة { وكان رسولاً نبياً } الرسول الذي معه الكتاب من الأنبياء والنبي الذي ينبئ عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب كيوشع { وناديناه } أي دعوناه { من جانب الطور الأيمن } أي من ناحية اليمنى أو من الأيمن صفة للطور والجانب، وعن أبي العالية حتى سمع صريف القلم الذي كتب به التوراة { ووهبنا له من رحمتنا } من أجل رحمتنا وتراوفنا عليه وهبنا له { هارون } وكان هارون أكبر من موسى فوقعت الهيبة على معاضدته وموازرته عن ابن عباس.