الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } * { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } * { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } * { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }

بيان تسجِّل السورة رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لعامة أهل الكتاب والمشركين وبعبارة أخرى للمليين وغيرهم وهم عامة البشر فتفيد عموم الرسالة وأنها مما كانت تقتضيه السنة الإِلهية - سنة الهداية - التي تشير إليها أمثال قوله تعالىإنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } الإنسان 3، وقولهوإن من أمة إلا خلا فيها نذير } فاطر 24، وتحتج على عموم دعوته صلى الله عليه وآله وسلم بأنها لا تتضمن إلا ما يصلح المجتمع الانساني من الاعتقاد والعمل على ما سيتضح إن شاء الله. والسورة تحتمل المكية والمدنية وإن كان سياقها بالمدنية أشبه. قوله تعالى { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } ظاهر الآيات - وهي في سياق يشير إلى قيام الحجة على الذين كفروا بالدعوة الإِسلامية من أهل الكتاب والمشركين وعلى الذين أوتوا الكتاب حينما بدا فيهم الاختلاف - أن المراد هو الإِشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مصاديق الحجة البينة القائمة على الناس التي تقتضي قيامها السنة الالهية الجارية في عباده فقد كانت توجب مجيء البينة إليهم كما أوجبته من قبل ما تفرقوا في دينهم. وعلى هذا فالمراد بالذين كفروا في الآية هم الكافرون بالدعوة النبوية الإِسلامية من أهل الكتاب والمشركين، و { من } في قوله { من أهل الكتاب } للتبعيض لا للتبيين، وقوله و { المشركين } عطف على { أهل الكتاب } والمراد بهم غير أهل الكتاب من عبدة الأصنام وغيرهم. وقوله { منفكين } من الانفكاك وهو الانفصال عن شدة اتصال، والمراد به - على ما يستفاد من قوله { حتى تأتيهم البينة } - انفكاكهم عما تقتضي سنة الهداية والبيان كأن السنة الإِلهية كانت قد أخذتهم ولم تكن تتركهم حتى تأتيهم البينة ولما أتتهم البينة تركتهم وشأنهم كما قال تعالىوما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون } التوبة 115. وقوله { حتى تأتيهم البينة } على ظاهره من الاستقبال والبينة هي الحجة الظاهرة والمعنى لم يكن الذين كفروا برسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بدعوته أو بالقرآن لينفكوا حتى تأتيهم البينة والبينة هي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وللقوم اختلاف عجيب في تفسير الآية ومعاني مفرداتها حتى قال بعضهم - على ما نقل - إن الآية من أصعب الآيات القرآنية نظماً وتفسيراً. انتهى، والذي أوردناه من المعنى هو الذي يلائمه سياقها من غير تناقض بين الآيات وتدافع بين الجمل والمفردات، ومن أراد الاطلاع على تفصيل ما قيل ويقال فعليه أن يراجع المطوّلات. قوله تعالى { رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة } بيان للبينة والمراد به محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعاً على ما يعطيه السياق.

السابقالتالي
2 3 4 5