الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } * { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } * { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

بيان تذكر السورة إنزال القرآن في ليلة القدر وتعظم الليلة بتفضيلها على ألف شهر وتنزل الملائكة والروح فيها، والسورة تحتمل المكية والمدنية ولا يخلو بعض ما روي في سبب نزولها عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وغيرهم من تأييد لكونها مدنية. قوله تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر } ضمير { أنزلناه } للقرآن وظاهره جملة الكتاب العزيز لا بعض آياته ويؤيده التعبير بالإِنزال الظاهر في اعتبار الدفعة دون التنزيل الظاهر في التدريج. وفي معنى الآية قوله تعالىوالكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة } الدخان 2-3، وظاهره الإِقسام بجملة الكتاب المبين ثم الإِخبار عن إنزال ما اقسم به جملة. فمدلول الآيات أن للقرآن نزولاً جملياً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير نزوله التدريجي الذي تم في مدة ثلاث وعشرين سنة كما يشير إليه قولهوقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً } الإسراء 106، وقولهوقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً } الفرقان 32. فلا يعبأ بما قيل إن معنى قوله { أنزلناه } ابتدأنا بإنزاله والمراد إنزال بعض القرآن. وليس في كلامه تعالى ما يبيِّن أن الليلة أية ليلة هي غير ما في قوله تعالىشهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن } البقرة 185 فإن الآية بانضمامها إلى آية القدر تدل على أن الليلة من ليالي شهر رمضان. وأما تعيينها أزيد من ذلك فمستفاد من الأخبار وسيجيء بعض ما يتعلق به في البحث الروائي التالي إن شاء الله. وقد سمَّاها الله تعالى ليلة القدر، والظاهر أن المراد بالقدر التقدير فهي ليلة التقدير يقدِّر الله فيها حوادث السنة من الليلة إلى مثلها من قابل من حياة وموت ورزق وسعادة وشقاء وغير ذلك كما يدل عليه قوله في سورة الدخان في صفة الليلةفيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك } الدخان 4-6، فليس فرق الأمر الحكيم إلا إحكام الحادثة الواقعة بخصوصياتها بالتقدير. ويستفاد من ذلك أن الليلة متكررة بتكرر السنين ففي شهر رمضان من كل سنة قمرية ليلة تقدر فيها أمور السنة من الليلة إلى مثلها من قابل إذ لا معنى لفرض ليلة واحدة بعينها أو ليال معدودة في طول الزمان تقدر فيها الحوادث الواقعة التي قبلها والتي بعدها وإن صح فرض واحدة من ليالي القدر المتكررة ينزل فيها القرآن جملة واحدة. على أن قوله { يفرق } - وهو فعل مضارع - ظاهر في الاستمرار، وقوله { خير من ألف شهر } و { تنزل الملائكة } الخ يؤيد ذلك. فلا وجه لما قيل إنها كانت ليلة واحدة بعينها نزل فيها القرآن من غير أن يتكرر، وكذا ما قيل إنها كانت تتكرر بتكرر السنين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم رفعها الله، وكذا ما قيل إنها واحدة بعينها في جميع السنة وكذا ما قيل إنها في جميع السنة غير أنها تتبدل بتكرر السنين فسنة في شهر رمضان وسنة في شعبان وسنة في غيرهما.

السابقالتالي
2 3 4