الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ } * { وَطُورِ سِينِينَ } * { وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } * { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } * { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } * { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ } * { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ }

بيان تذكر السورة البعث والجزاء وتسلك إليه من طريق خلق الإِنسان في أحسن تقويم ثم اختلافهم بالبقاء على الفطرة الأولى وخروجهم منها بالانحطاط إلى أسفل سافلين ووجوب التمييز بين الطائفتين جزاء باقتضاء الحكمة. والسورة مكية وتحتمل المدنية ويؤيد نزولها بمكة قوله { وهذا البلد الأمين } وليس بصريح فيه لاحتمال نزولها بعد الهجرة وهو صلى الله عليه وآله وسلم بمكة. قوله تعالى { والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين } قيل المراد بالتين والزيتون الفاكهتان المعروفتان أقسم الله بهما لما فيهما من الفوائد الجمة والخواص النافعة، وقيل المراد بهما شجرتا التين والزيتون، وقيل المراد بالتين الجبل الذي عليه دمشق وبالزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس، ولعل إطلاق اسم الفاكهتين على الجبلين لكونهما منبتيهما ولعل الإِقسام بهما لكونهما مبعثي جم غفير من الأنبياء وقيل غير ذلك. والمراد بطور سينين الجبل الذي كلّم الله تعالى فيه موسى بن عمران عليه السلام، ويسمى أيضاً طور سيناء. والمراد بهذا البلد الأمين مكة المشرَّفة لأن الأمن خاصة مشرعة للحرم وهي فيه قال تعالىأولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً } العنكبوت 67 وفي دعاء إبراهيم عليه السلام على ما حكى الله عنهرب اجعل هذا بلداً آمناً } البقرة 126، وفي دعائه ثانياًرب اجعل هذا البلد آمناً } إبراهيم 35. وفي الإِشارة بهذا إلى البلد تثبيت التشريف عليه بالتشخيص وتوصيفه بالأمين إما لكونه فعيلاً بمعنى الفاعل ويفيد معنى النسبة والمعنى ذي الأمن كاللابن والتامر وإما لكونه فعيلاً بمعنى المفعول والمراد البلد الذي يؤمن الناس فيه أي لا يخاف فيه من غوائلهم ففي نسبة الأمن إلى البلد نوع تجوّز. قوله تعالى { لقد خلقنا الإِنسان في أحسن تقويم } جواب للقسم والمراد بكون خلقه في أحسن تقويم اشتمال التقويم عليه في جميع شؤونه وجهات وجوده، والتقويم جعل الشيء ذا قوام وقوام الشيء ما يقوم به ويثبت فالإِنسان والمراد به الجنس ذو أحسن قوام بحسب الخلقة. ومعنى كونه ذا أحسن قوام بحسب الخلقة على ما يستفاد من قوله بعد { ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين } الخ صلوحه بحسب الخلقة للعروج إلى الرفيع الأعلى والفوز بحياة خالدة عند ربه سعيدة لا شقوة معها، وذلك بما جهَّزه الله به من العلم النافع ومكَّنه منه من العمل الصالح قال تعالىونفس وما سوَّاها فألهمها فجورها وتقواها } الشمس 7-8 فإذا آمن بما علم وزاول صالح العمل رفعه الله إليه كما قالإليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه } فاطر 10، وقالولكن يناله التقوى منكم } الحج 37. وقاليرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } المجادلة 11 وقالفأولئك لهم الدرجات العلى } طه 75 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ارتفاع مقام الإِنسان وارتقائه بالإِيمان والعمل الصالح عطاء من الله غير مجذوذ، وقد سمَّاه تعالى أجراً كما يشير إليه قوله الآتي { فلهم أجر غير ممنون }.

السابقالتالي
2 3