الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } * { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } * { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } * { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } * { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } * { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } * { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } * { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } * { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } * { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } * { لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } * { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } * { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } * { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ }

بيان غرض السورة الإِنذار وتسلك إليه بالإِشارة إلى اختلاف مساعي الناس وأن منهم من أنفق واتقى وصدق بالحسنى فسيمكِّنه الله من حياة خالدة سعيدة ومنهم من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسيسلك الله به إلى شقاء العاقبة، وفي السورة اهتمام وعناية خاصة بأمر الإِنفاق المالي. والسورة تحتمل المكية والمدنية بحسب سياقها. قوله تعالى { والليل إذا يغشى } إقسام بالليل إذا يغشى النهار على حد قوله تعالىيغشي الليل النهار } الرعد 3، ويحتمل أن يكون المراد غشيانه الأرض أو الشمس. قوله تعالى { والنهار إذا تجلى } عطف على الليل، والتجلي ظهور الشيء بعد خفائه، والتعبير عن صفة الليل بالمضارع وعن صفة النهار بالماضي حيث قيل { يغشى } و { تجلى } تقدم فيه وجه في تفسير أول السورة السابقة. قوله تعالى { وما خلق الذكر والأنثى } عطف على الليل كسابقة، و { ما } موصولة والمراد به الله سبحانه وإنما عبّر بما، دون من، إيثاراً للإِبهام المشعر بالتعظيم والتفخيم والمعنى وأُقسم بالشيء العجيب الذي أوجد الذكر والانثى المختلفين على كونهما من نوع واحد. وقيل ما مصدرية والمعنى وأُقسم بخلق الذكر والانثى وهو ضعيف. والمراد بالذكر والانثى مطلق الذكر والانثى أينما تحققا، وقيل الذكر والانثى من الإِنسان، وقيل المراد بهما آدم وزوجته حواء، وأوجه الوجوه أولها. قوله تعالى { إن سعيكم لشتى } السعي هو المشي السريع، والمراد به العمل من حيث يهتم به، وهو في معنى الجمع، وشتى جمع شتيت بمعنى المتفرق كمرضى جمع مريض. والجملة جواب القسم والمعنى أُقسم بهذه المتفرقات خلقاً وأثراً إن مساعيكم لمتفرقات في نفسها وآثارها فمنها إعطاء وتقوى وتصديق ولها أثر خاص بها، ومنها بخل واستغناء وتكذيب ولها أثر خاص بها. قوله تعالى { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى } تفصيل تفرق مساعيهم واختلاف آثارها. والمراد بالإِعطاء إنفاق المال لوجه الله بقرينة مقابلته للبخل الظاهر في الإِمساك عن إنفاق المال وقوله بعد { وما يغني عنه ماله إذا تردى }. وقوله { واتقى } كالمفسر للإِعطاء يفيد أن المراد هو الإِعطاء على سبيل التقوى الدينية. وقوله { وصدق بالحسنى } الحسنى صفة قائمة مقام الموصوف والظاهر أن التقدير بالعدة الحسنى وهي ما وعد الله من الثواب على الانفاق لوجهه الكريم وهو تصديق البعث والإِيمان به ولازمه الإِيمان بوحدانيته تعالى في الربوبية والألوهية، وكذا الإِيمان بالرسالة فإنها طريق بلوغ وعده تعالى لثواب. ومحصل الآيتين أن يكون مؤمناً بالله ورسوله واليوم الآخر وينفق المال لوجه الله وابتغاء ثوابه الذي وعده بلسان رسوله. وقوله { فسنيسره لليسرى } التيسير التهيئة والإِعداد واليسرى الخصلة التى فيها يسر من غير عسر، وتوصيفها باليسر بنوع من التجوز فالمراد من تيسيره لليسرى توفيقه للأعمال الصالحة بتسهيلها عليه من غير تعسير أو جعله مستعداً للحياة السعيدة عند ربه ودخول الجنة بسبب الأعمال الصالحة التي يأتي بها، والوجه الثاني أقرب وأوضح انطباقاً على ما هو المعهود من مواعد القرآن.

السابقالتالي
2 3 4 5 6