الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } * { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } * { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } * { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } * { وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } * { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } * { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } * { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } * { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } * { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ }

بيان تذكر السورة أن خلقة الانسان مبنية على التعب والمشقة فلا تجد شأناً من شؤون الحياة إلا مقروناً بمرارة الكد والتعب من حين يلج في جثمانه الروح إلى أن يموت فلا راحة له عارية من التعب والمشقة ولا سعادة له خالصة من الشقاء والمشأمة إلا في الدار الآخرة عند الله. فليتحمل ثقل التكاليف الإِلهية بالصبر على الطاعة وعن المعصية وليجد في نشر الرحمة على المبتلين بنوائب الدهر كاليتم والفقر والمرض وإضرابها حتى يكون من أصحاب الميمنة وإلا فآخرته كأولاه وهو من أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة. وسياق آيات السورة، يشبه السياق المكي فيؤيد به كون السورة مكية وقد ادعى بعضهم عليه الاجماع، وقيل السورة مدنية والسياق لا يساعد عليه، وقيل مدنية إلا أربع آيات من أولها وسيأتي في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى. قوله تعالى { لا أُقسم بهذا البلد } ذكروا أن المراد بهذا البلد مكة وتؤيده مكية سياق السورة وقوله { ووالد وما ولد } خاصة بناء على كون المراد بوالد هو إبراهيم عليه السلام على ما سيجيء. قوله تعالى { وأنت حل بهذا البلد } حال من هذا البلد، ووضع الظاهر موضع الضمير في قوله { بهذا البلد } للدلالة على عظم شأنه والاعتناء بأمره وهو البلد الحرام، والحل مصدر كالحلول بمعنى الإِقامة والاستقرار في مكان والمصدر بمعنى الفاعل. والمعنى أُقسم بهذا البلد والحال أنك حال به مقيم فيه وفي ذلك تنبيه على تشرف مكة بحلوله صلى الله عليه وآله وسلم فيها وكونها مولده ومقامه. وقيل الجملة معترضة بين القسم والمقسم به والمراد بالحل المستحل الذي لا حرمة له قال في الكشاف واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله { وأنت حل بهذا البلد } يعني ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد الحرام كما يستحل الصيد في غير الحرم - عن شرحبيل - يحرمون أن يقتلوا بها صيداً ويعضدوا بها شجرة ويستحلون إخراجك وقتلك، وفيه تثبيت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة وتعجيب من حالهم في عداوته انتهى. ثم قال أوسلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقسم ببلده أن الإِنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد واعترض بأن وعده فتح مكة تتميماً للتسلية والتنفيس عنه فقال { وأنت حل بهذا البلد } يعني وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر إلى آخر ما قال، ومحصله تفسير الحل بمعنى المحل ضد المحرم، والمعنى وسنحل لك يوم فتح مكة حيناً فنقاتل وتقتل فيه من شئت. قوله تعالى { ووالد وما ولد } لزوم نوع من التناسب والارتباط بين القسم والمقسم عليه يستدعي أن يكون المراد بوالد وما ولد من بينه وبين البلد المقسم به نسبة ظاهرة وينطبق على إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام وهما السببان الأصليان لبناء بلدة مكة والبانيان للبيت الحرام قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6