الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

بيان تذكر الآيات طائفة أُخرى من المنافقين تخلفوا عن حكم الصدقات فامتنعوا عن إيتاء الزكاة، وقد كانوا فقراء فعاهدوا الله إن أغناهم وآتاهم من فضله ليصدقن وليكونن من الصالحين فلما آتاهم مالاً بخلوا به وامتنعوا. وتذكر آخرين من المنافقين يعيبون أهل السعة من المؤمنين بإيتاء الصدقات وكذلك يلمزون أهل العسرة منهم ويسخرون منهم والله سبحانه يسمي هؤلاء جميعاً منافقين، ويقضي فيهم بعدم المغفرة البتة. قوله تعالى { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين } إلى آخر الآيتين. الإِيتاء الإِعطاء، وقد كثر إطلاق الإِيتاء من الفضل على إعطاء المال، ومن القرائن عليه في الآية قوله { لنصدقن } أي لنتصدقن مما آتانا من المال وكذلك ما في الآية التالية من ذكر البخل به. والسياق يفيد أن الكلام متعرض لأمر واقع، والروايات تدل على أن الآيات نزلت في ثعلبة في قصة سيأتي نقلها في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى، ومعنى الآيتين ظاهر. قوله تعالى { فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه } الآية. الإِعقاب الإِيراث قال في المجمع وأعقبه وأورثه وأداه نظائر وقد يكون أعقبه بمعنى جازاه. انتهى وهو مأخوذ من العقب، ومعناه الإِتيان بشيء عقيب شيء. والضمير في قوله { فأعقبهم } راجع إلى البخل أو إلى فعلهم الذي منه البخل، وعلى هذا فالمراد بقوله { يوم يلقونه } يوم لقاء البخل أي جزاء البخل بنحو من العناية. ويمكن أن يرجع الضمير إليه تعالى والمراد بيوم يلقونه يوم يلقون الله وهو يوم القيامة على ما هو المعروف من كلامه تعالى من تسمية يوم القيامة بيوم لقاء الله أو يوم الموت كما هو الظاهر من قوله تعالىمن كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت } العنكبوت 5. وهذا الثاني هو الظاهر على الثاني لأن الأنسب عند الذهن أن يُقال فهم على نفاقهم إلى أن يموتوا. دون أن يُقال فهم على نفاقهم إلى أن يبعثوا إذ لا تغير لحالهم فيما بعد الموت على أي حال. وقوله { بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } الباء في الموضعين منه للسببية أي إن هذا البخل أورثهم نفاقاً بما كان فيه من الخلف في الوعد والاستمرار على الكذب الموجبين لمخالفة باطنهم لظاهرهم وهو النفاق. ومعنى الآية فأورثهم البخل والامتناع عن إيتاء الصدقات نفاقاً في قلوبهم يدوم لَهم ذلك ولا يفارقهم إلى يوم موتهم وإنما صار هذا البخل والامتناع سبباً لذلك لما فيه من خلف الوعد لله والملازمة والاستمرار على الكذب. أو المعنى جازاهم الله نفاقاً في قلوبهم إلى يوم لقائه وهو يوم الموت لأنهم أخلفوه ما وعدوه وكانوا يكذبون. وفي الآية دلالة أولاً على أن خلف الوعد وكذب الحديث من أسباب النفاق وأماراته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6