الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } * { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } * { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

بيان تذكر الآيات شأناً آخر من شؤون المنافقين، وتكشف عن سوأة أُخرى من سوءاتهم ستروا عليها بالنفاق، وكانوا يحذرون أن تظهر عليهم وتنزل فيها سورة تقص ما هموا به منها. والآيات تنبئ عن أنهم كانوا جماعة ذوي عدد كما يدل عليه قوله { إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة } وأنه كان لهم بعض الاتصال والتوافق مع جماعة آخرين من المنافقين كما في قوله { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } الآية وأنهم كانوا على ظاهر الإِسلام والإِيمان حتى اليوم وإنما نافقوا يومئذ أي تفوهوا بكلمة الكفر فيما بينهم وأسروا بها يومئذ كما في قوله { قد كفرتم بعد إيمانكم }. وأنهم تواطئوا على أمر دبروه فيما بينهم فأظهروا عند ذلك كلمة الكفر وهموا على أمر عظيم فحال الله بينهم وبينه فخاب سعيهم ولم يؤثر كيدهم كما في قوله { ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا }. وأنه ظهر مما هموا به بعض ما يستدل عليه من الآثار والقرائن فسألوا عن ذلك فاعتذروا بما هو مثله قبحاً وشناعة كما في قوله { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } والآيات التالية لهذه الآيات في سياق متصل منسجم تدل على أن هذه الوقعة أياً ما كانت وقعت بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك ولما يرجع إلى المدينة كما يدل عليه قوله { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم } الآية آية 83 من السورة وقوله { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم } آية 95 من السورة. فيتلخص من الآيات أن جماعة ممن خرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تواطئوا على أن يمكروا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأسروا عند ذلك فيما بينهم بكلمات كفروا بها بعد إسلامهم ثم هموا أن يفعلوا ما اتفقوا عليه بفتك أو نحوه فأبطل الله كيدهم وفضحهم وكشف عنهم فلما سئلوا عن ذلك قالوا إنما كنا نخوض ونلعب فعاتبهم الله بلسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه استهزاء بالله وآياته ورسوله، وهددهم بالعذاب إن لم يتوبوا، وأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجاهدهم ويجاهد الكافرين. فالآيات - كما ترى - أوضح انطباقاً على حديث العقبة منها على غيره من القصص التي تتضمنها الروايات الأخر الواردة في بيان سبب نزول الآيات، وسنورد جلها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى. قوله تعالى { يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبؤهم بما في قلوبهم } إلى آخر الآية. كان المنافقون يشاهدون أن جل ما يستسرون به من شؤون النفاق، ويناجي به بعضهم بعضاً من كلمة الكفر ووجوه الهمز واللمز والاستهزاء أو جميع ذلك لا يخفى على الرسول، ويتلى على الناس في آيات من القرآن يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه من وحي الله، ولا محالة كانوا لا يؤمنون بأنه وحي نزل به الروح الأمين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقدرون أن ذلك مما يتجسسه المؤمنون فيخبرون به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيخرجه لهم في صورة كتاب سماوي نازل عليهم وهم مع ذلك كانوا يخافون ظهور نفاقهم وخروج ما خبوه في سرائرهم الخبيثة لأن السلطنة والظهور كانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم يجري فيهم ما يأمر به ويحكم عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد