الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } * { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } * { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ } * { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } * { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } * { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ }

بيان الآيات تعقّب القول في المنافقين وبيان حالهم وفيها ذكر أشياء من أقوالهم وأفعالهم، والبحث عمّا يكشف عنه من خبائث أوصافهم الباطنة واعتقاداتهم المبنية على الضلال. قوله تعالى { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا } الآية الفتنة ها هنا - على ما يهدي إليه السياق - إما الإِلقاء إلى ما يفتتن ويغر به، وإما الإِلقاء في الفتنة والبلية الشاملة. والمراد على الأول ائذن لي في القعود وعدم الخروج إلى الجهاد، ولا تلقني في الفتنة بتوصيف ما في هذه الغزوة من نفائس الغنائم ومشتهيات الأنفس فافتتن بها وأضطر إلى الخروج، وعلى الثاني ائذن لي ولا تلقني إلى ما في هذه الغزوة من المحنة والمصيبة والبليّة. فأجاب الله عن قولهم بقوله { ألا في الفتنة سقطوا } ومعناه أنهم يحترزون بحسب زعمهم عن فتنة مترقبة من قبل الخروج، وقد أخطأوا فإن الذي هم عليه من الكفر والنفاق وسوء السريرة، ومن آثاره هذا القول الذي تفوهوا به هو بعينه فتنة سقطوا فيها فقد فتنهم الشيطان بالغرور، ووقعوا في مهلكة الكفر والضلال وفتنته. هذا حالهم في هذه النشأة الدنيوية وأما في الآخرة فإن جهنم لمحيطة بالكافرين على حذو إحاطة الفتنة بهم في الدنيا وسقوطهم فيها فقوله { ألا في الفتنة سقطوا } وقوله { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } كأنهما معاً يفيدان معنى واحداً وهو أن هؤلاء واقعون في الفتنة والتهلكة أبداً في الدنيا والآخرة. ويمكن أن يفهم من قوله { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } الإِحاطة بالفعل دون الإِحاطة الاستقبالية كما تهدي إليه الآيات الدالة على تجسم الأعمال. قوله تعالى { إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك سيئة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل } المراد بالحسنة والسيئة بقرينة السياق ما تتعقبه الحروب والمغازي لأهلها من حسنة الفتح والظفر والغنيمة والسبي، ومن سيئة القتل والجرح والهزيمة. وقوله { يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل } كناية عن الاحتراز عن الشر قبل وقوعه كأن أمرهم كان خارجاً من أيديهم فأخذوه وقبضوا وتسلطوا عليه فلم يدعوه يفسد ويضيع. فمعنى الآية أن هؤلاء المنافقين هواهم عليك إن غنمت وظفرت في وجهك هذا ساءهم ذلك، وإن قتلت أو جرحت أو أصبت بأي مصيبة أُخرى قالوا قد احترزنا عن الشر من قبل وتولوا وهم فرحون. وقد أجاب الله سبحانه عن ذلك بجوابين اثنين في آيتين قوله { قل لن يصيبنا } الخ وقوله { قل هل تربّصون } الخ. قوله تعالى { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون } محصّله أن ولاية أمرنا إنما هي لله سبحانه فحسب - على ما يدل عليه قوله { هو مولانا } من الحصر - لا إلى أنفسنا ولا إلى شيء من هذه الأسباب الظاهرة، بل حقيقة الأمر وحده وقد كتب كتابة حتم ما سيصيبنا من خير أو شر أو حسنة أو سيئة، وإذا كان كذلك فعلينا امتثال أمره والسعي لإِحياء أمره والجهاد في سبيله ولله المشيئة فيما يصيبنا في ذلك من حسنة أو سيئة فما على العبيد إلا ترك التدبير وامتثال الأمر وهو التوكل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد