الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }

بيان الآيات تأمر بقتال أهل الكتاب ممن يمكن تبقيته بالجزية وتذكر أُموراً من وجوه انحرافهم عن الحق في الاعتقاد والعمل. قوله تعالى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب } أهل الكتاب هم اليهود والنصارى على ما يستفاد من آيات كثيرة من القرآن الكريم وكذا المجوس على ما يشعر أو يدل عليه قوله تعالىإن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد } الحج 17 حيث عدّوا في الآية مع سائر أرباب النحل السماوية في قبال الذين اشركوا، والصابئون كما تقدّم طائفة من المجوس صبوا إلى دين اليهود فاتخذوا طريقاً بين الطريقين. والسياق يدل على أن لفظة { من } في قوله { من الذين أوتوا الكتاب } بيانية لا تبعيضية فإن كلاً من اليهود والنصارى والمجوس أمة واحدة كالمسلمين في إسلامهم وإن تشعبوا شعباً مختلفة وتفرقوا فرقاً متشتتة اختلط بعضهم ببعض ولو كان المراد قتال البعض وإثبات الجزية على الجميع أو على ذلك البعض بعينه لاحتاج المقام في إفادة ذلك إلى بيان غير هذا البيان يحصل به الغرض. وحيث كان قوله { من الذين أوتوا الكتاب } بياناً لما قبله من قوله { الذين لا يؤمنون } الآية فالأوصاف المذكورة أوصاف عامة لجميعهم وهي ثلاثة أوصاف وصفهم الله سبحانه بها عدم الإِيمان بالله واليوم الآخر، وعدم تحريم ما حرّم الله ورسوله، وعدم التديّن بدين الحق. فأول ما وصفهم به قوله { الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } وهو تعالى ينسب إليهم في كلامه أنهم يثبتونه إلهاً وكيف لا؟ وهو يعدّهم أهل الكتاب، وما هو إلا الكتاب السماوي النازل من عند الله على رسول من رسله ويحكي عنهم القول أو لازم القول بالألوهية في مئات من آيات كتابه. وكذا ينسب إليهم القول باليوم الآخر في أمثال قولهوقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } البقرة 80، وقولهوقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } البقرة 111. غير أنه تعالى لم يفرق في كلامه بين الإِيمان به والإِيمان باليوم الآخر فالكفر بأحد الأمرين كفر بالله والكفر بالله كفر بالأمرين جميعاً، وحَكم فيمن فرّق بين الله ورسله فآمن ببعض دون بعض أنه كافر كما قالإن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أُولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً } النساء 150-151. فعدّ أهل الكتاب ممن لم يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كفاراً حقاً وإن كان عندهم إيمان بالله واليوم الآخر، لا بلسان أنهم كفروا بآية من آيات الله وهي آية النبوة بل بلسان أنهم كفروا بالإِيمان بالله فلم يؤمنوا بالله واليوم الآخر كما أن المشركين أرباب الأصنام كافرون بالله إذ لم يوحدوه وان اثبتوا إلهاً فوق الآلهة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد