الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } * { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

بيان تشير الآيات إلى قصة غزوة حنين وتمتنّ بما نصر الله فيه المؤمنين كسائر المواطن من الغزوات التي نصرهم الله بعجيب نصرته على ضعفهم وقلّتهم، وأظهر أعاجيب آياته بتأييد نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وإنزال جنود لم يروها وإنزال السكينة على رسوله والمؤمنين وتعذيب الكافرين بأيدي المؤمنين. وفيها الآية التي تحرّم على المشركين أن يدخلوا المسجد الحرام بعد عام تسع من الهجرة، وهي العام الذي أذن فيه علي عليه السلام ببراءة، ومنع طواف البيت عرياناً، ودخول المشركين في المسجد الحرام. قوله تعالى { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين } إلى قوله { ثم ولّيتم مدبرين } المواطن جمع موطن وهو الموضع الذي يسكنه الإِنسان ويتوطن فيه. وحنين اسم واد بين مكة والطائف وقع فيه غزوة حنين قاتل فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هوازن وثقيف وكان يوماً شديداً على المسلمين انهزموا أولاً ثم أيدهم الله بنصره فغلبوا. والإِعجاب الإِسرار والعجب سرور النفس بما يشاهده نادراً، والرحب السعة في المكان وضدّه الضيق. وقوله { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } ذكر لنصرته تعالى لهم في مواطن كثيرة ومواضع متعددة يدلّ السياق على أنها مواطن الحروب كوقائع بدر وأُحد والخندق وخيبر وغيرها، ويدل السياق أيضاً أن الجملة كالمقدمة الممهدة لقوله { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم } الآية فإن الآيات الثلاث مسوقة لتذكير قصة وقعة حنين، وعجيب ما أفاض الله عليهم من نصرته وخصّهم به من تأييده فيها. وقد استظهر بعض المفسرين كون الآية وما يتلوها إلى تمام الآيات الثلاث تتمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره ربه أن يواجه به المؤمنين في قوله { قل إن كان آباؤكم } الآية وتكلف في توجيه الفصل الذي في قوله { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة }. ولا دليل من جهة اللفظ على ذلك بل الدليل على خلافه فإن قصة حنين وما يشتمل عليه من الامتنان بنصر الله وإنزال السكينة وإنزال الجنود وتعذيب الكافرين والتوبة على من يشاء أمر مستقل في نفسه ذو أهمية في ذاته وهو أهم هدفاً من قوله تعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم } الآية أو هو مثله لا يقصر عنه فلا معنى لإِتباعه إياه وعطفه عليه في المعنى. وحينئذ لو كان ممّا يجب أن يخاطب به القوم لكان من الواجب أن يُقال { وقل لهم لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } الآية، على ما جرى عليه القرآن في نظائره كقوله تعالىقل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنّما إلهكم إله واحد } الكهف 110 إلى أن قالقل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } فصلت 9 وغيره من الموارد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد