الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ } * { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } * { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } * { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

بيان آيات تبين أن الأعمال إنما تكون حية مرضية إذا صدرت عن حقيقة الإِيمان بالله ورسوله واليوم الآخر وإلا فإنما هي حبط لا تهدي صاحبها إلى سعادة، وإن من لوازم الإِيمان بحقيقته قصر الولاية والحب والوداد في الله ورسوله. وهي ظاهرة الاتصال والارتباط فيما بينها أنفسها، وأما اتصالها بما تقدمها من الآيات فليس بذاك الوضوح، وما ذكره بعض المفسرين في وجه اتصالها بما قبلها لا يخلو من تكلف. قوله تعالى { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر } العمارة ضد الخراب يُقال عمر الأرض إذا بنى بها بناء، وعمر البيت إذا أصلح ما أشرف منه على الفساد، والتعمير بمعناه ومنه العمر لأنه عمارة البدن بالروح، والعمرة بمعنى زيارة البيت الحرام لأن فيها تعميره. والمسجد اسم مكان بمعنى المحل الذي يتعلق به السجدة كالبيت الذي يبنى ليسجد فيه لله تعالى، وأعضاء السجدة التي تتعلق بها السجدة نوع تعلق وهي الجبهة والكفان والركبتان ورؤوس إبهامي القدمين. وقوله { ما كان للمشركين } الآية لنفي الحق والملك فإن اللام للملك والحق، والنفي الحالي للكون السابق يفيد أنه لم يتحقق منهم سبب سابق يوجب لهم أن يملكوا هذا الحق وهو حق أن يعمروا مساجد الله ويرمّوا ما استرمّ منها أو يزوروها كقوله تعالىما كان لنبي أن يكون له أسرى } الأنفال 67 وقولهوما كان لنبي أن يغل } آل عمران 161. والمراد بالعمارة في قوله { أن يعمروا } إصلاح ما أشرف على الخراب من البناء ورم ما استرم منه دون عمارة المسجد بالزيارة فإن المراد بمساجد الله هي المسجد الحرام وكل مسجد لله ولا عمرة في غير المسجد الحرام، والدخول في المساجد للعبادة فيها وإن أمكن أن يسمى عمارة وزيارة لكن التعبير المعهود من القرآن فيه الدخول. على أن في قوله في الآية الآتية { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام } تأييداً ما لكون المراد بالعمارة هو إصلاح البناء دون زيارة البيت الحرام. والمراد بمساجد الله بيوت العبادة المبنية لله لكن السياق يدل على أن المراد نفي جواز عمارتهم للمسجد الحرام، ويؤيده قراءة من قرأ { أن يعمروا مسجد الله } بالإِفراد. ولا ضير في التعبير بالجمع والمقصود الأصيل بيان حكم فرد خاص من أفراده لأن الملاك عام، والتعليل الوارد في الآية غير مقيد بخصوص المسجد الحرام فالكلام في معنى ما كان لهم أن يعمروا المسجد الحرام لأنه مسجد والمساجد من شأنها ذلك. وقوله { شاهدين على أنفسهم بالكفر } المراد بالشهادة أداؤها وهو الأعتراف إما قولاً كمن يعترف بالكفر لفظاً، وإما فعلاً كمن يعبد الأصنام ويتظاهر بكفره فكل ذلك من الشهادة والملاك واحد. فمعنى الآية لا يحق ولا يجوز للمشركين أن يرمُّوا ما استرمّ من المسجد الحرام كسائر مساجد الله والحال أنهم معترفون بالكفر بدلالة قولهم أو فعلهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد