الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } * { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

بيان تذكر الآيات طائفة أُخرى من المنافقين بنوا مسجد الضرار وتقيس حالهم إلى حال جماعة من المؤمنين بنوا مسجداً لتقوى الله. قوله تعالى { والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً } إلى آخر الآية، الضرار والمضارة إيصال الضرر، والإِرصاد اتخاذ الرصد والانتظار والترقب. وقوله { والذين اتخذوا مسجداً ضراراً } إن كانت الآيات نازلة مع ما تقدمها من الآيات النازلة في المنافقين فالعطف على من تقدم ذكرهم من طوائف المنافقين المذكورين بقوله ومنهم، ومنهم أي ومنهم الذين اتخذوا مسجداً ضراراً. وإن كانت مستقلة بالنزول فالوجه كون الواو استئنافية وقوله { الذين اتخذوا } مبتدأً خبره قوله { لا تقم فيه أبداً } ويمكن إجراء هذا الوجه على التقدير السابق أيضاً، وقد ذكر المفسرون في إعراب الآية وجوهاً أُخرى لا تخلو عن تكلف تركناها. وقد بيَّن الله غرض هذه الطائفة من المنافقين في اتخاذ هذا المسجد وهو الضرار بغيرهم والكفر والتفريق بين المؤمنين والإِرصاد لمن حارب الله ورسوله، والأغراض المذكورة خاصة ترتبط إلى قصة خاصة بعينها، وهي على ما اتفق عليه أهل النقل أن جماعة من بني عمرو بن عوف بنوا مسجد قُبا وسألوا النبي أن يصلي فيه فصلى فيه فحسدهم جماعة من بني غنم بن عوف وهم منافقون فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قُبا ليضروا به ويفرقوا المؤمنين منه وينتظروا لأبي عامر الراهب الذي وعدهم أن يأتيهم بجيش من الروم ليخرجوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة، وأمرهم أن يستعدوا للقتال معهم. ولما بنوا المسجد أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتجهز إلى تبوك وسألوه أن يأتيه ويصلي فيه ويدعو لهم بالبركة فوعدهم إلى الفراغ من أمر تبوك والرجوع إلى المدينة فنزلت الآيات. فكان مسجدهم لمضارَّة مسجد قُبا، وللكفر بالله ورسوله، ولتفريق المؤمنين المجتمعين في قُبا، ولإِرصاد أبي عامر الراهب المحارب لله ورسوله من قبل، وقد أخبر الله سبحانه عنهم أنهم ليحلفن إن أردنا من بناء هذا المسجد إلا الفعلة الحسنى وهو التسهيل للمؤمنين بتكثير معابد يعبد فيها الله، وشهد تعالى بكذبهم بقوله { وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون }. قوله تعالى { لا تقم فيه أبداً } إلى آخر الآية، بدء بنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يقوم فيه ثم ذكر مسجد قُبا ورجَّح القيام فيه بعدما مدحه بقوله { لمسجد أُسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه } فمدحه بحسن نية مؤسسيه من أول يَوم وبنى عليه رجحان القيام فيه على القيام في مسجد الضرار. والجملة وإن لم تفد تعيّن القيام في مسجد قُبا حيث عبَّر بقوله أحقّ، غير أن سبق النهي عن القيام في مسجد الضرار يوجب ذلك، وقوله تعالى { فيه رجال يحبّون أن يتطهروا } تعليل للرجحان السابق، وقوله { والله يحب المطّهّرين } متمم للتعليل المذكور، وهذا هو الدليل على أن المراد بقوله { لمسجد أُسس } الخ هو مسجد قُبا لا مسجد النبي أو غيره.

السابقالتالي
2 3 4