الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } * { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

بيان الكلام جار على الغرض السابق يبين به حال الأعراب في كفرهم ونفاقهم وإيمانهم وفي خلال الآيات آية الصدقة. قوله تعالى { الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } الآية، قال الراغب في المفردات العرب ولد إسماعيل، والأعراب جمعه في الأصل، وصار ذلك اسماً لسكان البادية { قالت الأعراب آمنا. والأعراب أشد كفراً ونفاقاً. ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر } ، وقيل في جمع الأعراب أعاريب، قال الشاعر
أعاريب ذوو فخر بإفك وألسنة لطاف في المقال   
والأعرابيّ في التعارف صار اسماً للمنسوب إلى سكان البادية، والعربيّ المفصح والإِعراب البيان، انتهى موضع الحاجة. يبين تعالى حال سكان البادية وأنهم أشد كفراً ونفاقاً لأنهم لبعدهم عن المدنية والحضارة، وحرمانهم من بركات الإِنسانية من العالم والأدب أقسى وأجفى، فهم أجدر وأحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله من المعارف الأصلية والأحكام الشرعية من فرائض وسنن وحلال وحرام. قوله تعالى { ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بكم الدوائر } الآية، قال في المجمع المغرم الغرم وهو نزول نائبة بالمال من غير خيانة، وأصله لزوم الأمر، ومنه قوله إن عذابها كان غراماً، وحبّ غرام أي لازم، والغريم يقال لكل واحد من المتداينين للزوم أحدهما الآخر وغرمته كذا أي ألزمته إياه في ماله، انتهى. والدائرة الحادثة وتغلب في الحوادث السوء تدور بين الناس فتنزل كل يوم بقوم فتربص الدوائر بالمؤمنين انتظار نزول الحوادث السوء عليهم للتخلص من سلطتهم والرجوع إلى رسوم الشرك والضلال. وقوله { يتخذ ما ينفق مغرماً } أي يفرض الإِنفاق غرماً أو المال الذي ينفقه مغرماً - على أن يكون ما مصدرية أو موصولة - والمراد الإِنفاق في الجهاد أو أي سبيل من سبل الخير على ما قيل، ويمكن أن يكون المراد الإِنفاق في خصوص الصدقات ليكون الكلام كالتوطئة لما سيجئ بعد عدة آيات من حكم أخذ الصدقة من أموالهم، ويؤيده ما في الآية التالية من قوله { ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول } فإنه كالتوطئة لقوله في آية الصدقة { وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم }. فمعنى الآية ومن سكان البادية من يفرض الإِنفاق في سبيل الخير أو في خصوص الصدقات غرماً وخسارة وينتظر نزول الحوادث السيئة بكم، { عليهم دائرة السوء } - قضاء منه تعالى أو دعاء عليهم - { والله سميع } للأقوال { عليم } بالقلوب. قوله تعالى { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول } الخ، الظاهر أن قوله { صلوات الرسول } عطف على قوله { ما ينفق } وأن الضمير في قوله { ألا إنها قربة } عائد إلى ما ينفق وصلوات الرسول.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد