الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } * { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } * { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } * { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } * { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } * { ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ }

بيان تفتتح السورة بوعيد أهل التطفيف في الكيل والوزن وتنذرهم بأنهم مبعوثون للجزاء في يوم عظيم وهو يوم القيامة ثم تتخلص لتفصيل ما يجري يومئذ على الفجَّار والأبرار. والأنسب بالنظر إلى السياق أن يكون أول السورة المشتمل على وعيد المطففين نازلاً بالمدينة وأما ما يتلوه من الآيات إلى آخر السورة فيقبل الانطباق على السياقات المكية والمدنية. قوله تعالى { ويل للمطففين } دعاء على المطففين والتطفيف نقص المكيال والميزان، وقد نهى الله تعالى عنه وسماه إفساداً في الأرض كما فيما حكاه من قول شعيبويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين } هود 85، وقد تقدم الكلام في تفسير الآية في معنى كونه إفساداً في الأرض. قوله تعالى { الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } الاكتيال من الناس الأخذ منهم بالكيل، وتعديته بعلى لإِفادة معنى الضرر، والكيل إعطاؤهم بالمكيال يقال كاله طعامه ووزنه وكال له طعامه ووزن له والأول لغة أهل الحجاز وعليه التنزيل والثاني لغة غيرهم كما في المجمع، والاستيفاء أخذ الحق تاماً كاملاً، والإِخسار الإِيقاع في الخسارة. والمعنى الذين إذا أخذوا من الناس بالكيل يأخذون حقهم تاماً كاملاً، وإذا أعطوا الناس بالكيل أو الوزن ينقصون فيوقعونهم في الخسران. فمضمون الآيتين جميعاً ذم واحد وهو أنهم يراعون الحق لأنفسهم ولا يراعونه لغيرهم وبعبارة أخرى لا يراعون لغيرهم من الحق مثل ما يراعونه لأنفسهم وفيه إفساد الاجتماع الإِنساني المبني على تعادل الحقوق المتقابلة وفي إفساده كل الفساد. ولم يذكر الاتزان مع الاكتيال كما ذكر الوزن مع الكيل إذ قال { وإذا كالوهم أو وزنوهم } قيل لأن المطففين كانوا باعة وهم كانوا في الأغلب يشترون الكثير من الحبوب والبقول ونحوهما من الأمتعة ثم يكسبون بها فيبيعونها يسيراً يسيراً تدريجاً، وكان دأبهم في الكثير من هذه الأمتعة أن يؤخذ ويعطى بالكيل لا بالوزن فذكر الاكتيال وحده في الآية مبني على الغالب. وقيل لم يذكر الاتزان لأن الكيل والوزن بهما البيع والشراء فذكر أحدهما يدل على الآخر. وفيه أن ما ذكر في الاكتيال جار في الكيل أيضاً وقد ذكر معه الوزن فالوجه لا يخلو من تحكم. وقيل الآيتان تحاكيان ما كان عليه دأب الذين نزلت فيهم السورة فقد كانوا يشترون بالاكتيال فقط ويبيعون بالكيل والوزن جميعاً، وهذا الوجه دعوى من غير دليل. إلى غير ذلك مما ذكروه في توجيه الاقتصار على ذكر الاكتيال في الآية، ولا يخلو شيء منها من ضعف. قوله تعالى { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم } الاستفهام للإِنكار والتعجيب، والظن بمعناه المعروف والإِشارة إلى المطففين بأولئك الموضوعة للاشارة البعيدة للدلالة على بعدهم من رحمة الله، واليوم العظيم يوم القيامة الذي يجازون فيه بعملهم.

السابقالتالي
2 3 4 5