الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } * { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } * { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } * { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } * { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } * { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } * { وَهُوَ يَخْشَىٰ } * { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } * { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } * { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } * { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } * { كِرَامٍ بَرَرَةٍ }

بيان وردت الروايات من طرق أهل السنة أن الآيات نزلت في قصة ابن أم مكتوم الأعمى دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده قوم من صناديد قريش يناجيهم في أمر الإِسلام فعبس النبي عنه فعاتبه الله تعالى بهذه الآيات وفي بعض الأخبار من طرق الشيعة إشارة إلى ذلك. وفي بعض روايات الشيعة أن العابس المتولي رجل من بني أُميَّة كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل عليه ابن أم مكتوم فعبس الرجل وقبض وجهه فنزلت الآيات. وسيوافك تفصيل البحث عن ذلك في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى. وكيف كان الأمر فغرض السورة عتاب من يقدم الأغنياء والمترفين على الضعفاء والمساكين من المؤمنين فيرفع أهل الدنيا ويضع أهل الآخرة ثم ينجر الكلام إلى الإِشارة الى هوان أمر الإِنسان في خلقه وتناهيه في الحاجة إلى تدبير أمره وكفره مع ذلك بنعم ربه وتدبيره العظيم لأمره وتتخلص إلى ذكر بعثه وجزائه إنذاراً، والسورة مكية بلا كلام. قوله تعالى { عبس وتولى } أي بسر وقبض وجهه وأعرض. قوله تعالى { أن جاءه الأعمى } تعليل لما ذكر من العبوس بتقدير لام التعليل. قوله تعالى { وما يدريك لعله يزكَّى أو يذكِّر فتنفعه الذكرى } حال من فاعل { عبس وتولى } والمراد بالتزكي التطهر بعمل صالح بعد التذكر الذي هو الاتعاظ والانتباه للاعتقاد الحق، ونفع الذكرى هو دعوتها إلى التزكي بالإِيمان والعمل الصالح. ومحصل المعنى بسر وأعرض عن الأعمى لما جاءه والحال أنه ليس يدري لعل الأعمى الذي جاءه يتطهر بصالح العمل بعد الإِيمان بسبب مجيئه وتعلِّمه وقد تذكر قبل أو يتذكر بسبب مجيئه واتعاظه بما يتعلم فتنفعه الذكرى فيتطهر. وفي الآيات الأربع عتاب شديد ويزيد شدة بإتيان الآيتين الأوليين في سياق الغيبة لما فيه من الإِعراض عن المشافهة والدلالة على تشديد الإِنكار وإتيان الآيتين الأخيرتين في سياق الخطاب لما فيه من تشديد التوبيخ وإلزام الحجة بسبب المواجهة بعد الإِعراض والتقريع من غير واسطة. وفي التعبير عن الجائي بالأعمى مزيد توبيخ لما أن المحتاج الساعي في حاجته إذا كان أعمى فاقداً للبصر وكانت حاجته في دينه دعته إلى السعي فيها خشية الله كان من الحري أن يرحم ويخص بمزيد الإِقبال والتعطف لا أن ينقبض ويعرض عنه. وقيل - بناء على كون المراد بالمعاتب هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أن في التعبير عنه أولاً بضمير الغيبة إجلالاً له لإِيهام أن من صدر عنه العبوس والتولي غيره صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لا يصدر مثله عن مثله، وثانياً بضمير الخطاب إجلالاً له أيضاً لما فيه من الإِيناس بعد الإِيحاش والإِقبال بعد الإِعراض.

السابقالتالي
2 3 4 5